الأربعاء، 24 سبتمبر 2025

🖊 الأستاذ عبد الفتاح حموده

الحب وأشياء أخرى

عندما خرجت من مكتبي عائدًا إلى بيتي، وجدتها تتحدث مع جارٍ لنا في نفس شارعنا، ولما فرغت من الحديث معه أسرعت للحاق بي وفتحت يدها لكي أضع يدي في يدها، فتشابكت أصابعنا ومشينا معًا.
وفجأة وقفت ونظرت إليّ نظرة كلها حنان، وتعلقت عيناها بعيني في اشتياق وإعجاب وقالت بصوتها الرقيق: أحبك.
وقفت أمامها مذهولًا وفي غاية الحيرة والدهشة البالغة.

كنت قد ظننت أن هذه المرأة أبعد النساء عن العاطفة، فقد كانت لقاءاتي بها لا تخرج عن الحديث عن طبيعة عملها في إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل الناس، فقد كانت تروي لي البعض منها، وأوضحت أنها تتألم وهي تعايش كل مشكلة أو تناقشني في مشكلة معينة لإيجاد الحل المناسب لها.
هذا هو حوارنا دائمًا بعيدًا عن أي عاطفة، لهذا كانت مصارحتها بمشاعرها وقعًا على نفسي موقع الحيرة وغاية الدهشة.

وأكثر من هذا، فقد حدث أن هذه المرأة تزوجت من رجل كان يتردد عليها لإيجاد حل لخلافات حادة بينه وبين زوجته، وكان الرجل يشعر أنه كالغريق، واستطاعت هي أن تنتشله من الغرق، فتعلق بها رغم أنه من النوع الذي تسيطر زوجته عليه ويكاد لا يستطيع التصرف دون الرجوع إليها. وعن طريق ذلك وجدت نفسها متزوجة منه، كأنه افتعال بالشيء دون الإحساس الحقيقي بهذا الأمر.
وما هي إلا أيام حتى وجدت نفسها مع رجل غير مناسب تمامًا، فلم تشعر به زوجًا لها، وانتهى الأمر إلى الانفصال المتوقع.

فهل هي على يقين تام من صدق مشاعرها نحوي؟
وهل أوافقها على هذه المشاعر وأبادلها بنفس الحس، أم أن مصيري سوف ينتهي كما حدث مع الرجل السابق؟

ليت الأمر ينتهي إلى هذا الحد، فأنا الآخر لم أعرف الاستقرار في عاطفتي مع أي امرأة التقيت بها. فكلما التقيت بامرأة ظننت أنها ضالتي المنشودة فأسعد بها، ولكن سرعان ما تجف مشاعري وأسعى للبعد عنها كالسراب تمامًا.
لا أعرف، هل المشكلة تكمن في كل امرأة عرفتها، حيث كانت تبدو على غير حقيقتها؟ أم أنني أنتظر امرأة ذات صفات معينة فتهفو إليها روحي وكأنها النصف الآخر المكمل لي؟

فهل أسعد مع هذه المرأة التي فاجأتني بمشاعرها بشكل مباشر كأنها واثقة أنني الآخر أحبها؟
هل لقاءاتي بها كانت بمثابة أمان واطمئنان لها، فاستوحت منها هذا اليقين أنني أبادلها مشاعر مثل مشاعرها نحوي، بينما كنت بعيدًا عن هذا المفهوم العاطفي تمامًا؟

لا أنكر أن لها مكانة في نفسي لما لها من صفات طيبة جديرة بكل احترام وتقدير.
فهل يقع اللوم عليها لأنها لم تمهد لهذه العاطفة وتأخذ بيدي إلى رحابها، وتجعلني أسمو معها إلى هذه العاطفة فأنعم بها؟ وكيف لا يسعد الرجل بحب امرأة؟

ووقفت أمامي، ويبدو عليها الندم لأنها باعت بمشاعرها، فأدارت ظهرها وهمّت بالانصراف. فأسرعت إليها وأوقفتها، ونظرت إليها نفس نظراتها يوم باحت بمشاعرها، فقلت لها: وأنا الآخر أحبك.
وتشابكت أصابعنا من جديد، ومشينا معًا.

مع تحياتي
عبد الفتاح حموده