السبت، 28 ديسمبر 2019

الأسد العجوز / بقلم دكتور احمد محمد شديفات

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسد العجوز
من المعروف بداهة أن الأسد ملك الغابة بدون جدال سهولها وجبالها أرضها وفجاجها وله الطاعة المطلقة بالإذعان من كل حيوان دون نقاش أو اعتراض، وكلما خاب وسقط أسد قام من فصيلته مقامه ،وكل مخلوق معرض لعوارض الدهر ونوائبه ومصائبه فرادى وجماعات، والدنيا بين ناصح أمين ومفتري لئيم يتمنى اليك الجحيم ،وانت بين هذا وذاك قد تسلك احد الطريقين إما السعادة أو القرادة، وإن كان أحدهما أو كلاهما مر لا يبقى ومن المحال أن يبقى حال على ما هو عليه فلا الضعيف يبقى ضعيفا ،فقد يستبسل الضعيف يوما ما عندما يضعف القوي ولتعلم فإن الذبابة تدمي مقلة الأسد....
هذه مقدمة حكاية رمزية فيها عبرة واعتبار فالسعيد من وعظ بغير والشقي والتعاسة لمن كان وعظ به الآخرين عندها يشمت به الشامتين....
الحكاية تدور أحداثها بين ثلاثة مخلوقات من الحيوانات أسد الغابة وثعلب ماكر وجرذ من فصيلة القوارض وكل ميسر لما خلق له،،،،
فالأسد كان في عنفوان شبابه يصول ويجول في ربوع مملكته شرقا وغربا شمالا وجنوبا لا يصده إلا الريح معتمدا على قوة سواعده وبطشه ومغرورا بنابه ومخلبه لا يعجزه وحش ضاري ولا غزال أليف خفيف، ولم يفكر يوما أن يعود ضعيف شيبة وهزال يعجزه مطاردة غزال وتخونه قواه فلا يستطيع ركضا ولا هضما، ورابضا دون حراك تنهشه الكلاب ويؤذيه نش الذباب وسقط منه حتى الناب، ولم يخطر بباله ولا في حسبانه او مخيلته ان تصل حاله الى مثل هذا الحال ولما وصل إلى هذا المآل آوى الى كهف خرب كثير الشقوق وكان يقيم فيه من زمان شلة من الفئران والجرذان، تتوالد بشكل سريع وهي الآن تصحب الأسد في ذلك المكان وتعيش على باقي الفتات وما يتركه الأسد من طعام إلا ان هؤلاء الجرذان لاحظوا شحا في قلة موارد الطعام اذ لم يعد الأسد يقوى على الصيد والإتيان بالطعام ،فضجوا وتبرموا من بقاء الأسد على هذا الحال،
وفي يوم من الايام والأسد يغط في نوم عميق ،اذ بطارق على الباب أيقظ الأسد والجرذان فاذا هو الثعلبان قال جئتك ايها الملك زائرا نظرا لكبر سنك وضعف قوتك وحيلتك ، فهذا الثعلب الماكر اللعين يعتمد على مكره وخبثه وانتقامه القديم، فتذكر ما مر عليه من سالف الايام والليالي وعادت به مخيلته زمان سطوة الأسد وبطشه، فقد جاءت ساعة السداد بالصاع الكافي الوافي له ولغيره من المظلومين المطرودين المطاردين من الغابة في زمن المهابة...
قال الثعلبان :- يا ملك الغابة جئتك ومن ورائي قطيع من الغنم مع خرافها السمان في سهل أخضر مربع لا يحرسها حارس ولا ينبح الطريق دونها كلب، فأنت في أمان اذا ذهبت الى ذلك المكان ليس في مثله أمان ،وقد رئفت بكبر سنك وضعف قوتك وهوانك على هؤلاء الفئران والجرذان، فتأكل من هذا القطيع الهائم على وجهه وتستريح وتنام بقيت عمرك ،ففكر الأسد مليئا ورف جفنه طاردا الذباب، ثم أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ وهزه بثقل وأجاب بالموافقة فقد أصبح خَرَفا يمر عليه الكذب والاحتيال...
قال الثعلبان :- إني ذاهب الى ذلك القطيع فمن يضمن لي عدم نكلوك ورجوعك عن عزمك وتصميمك بالذهاب معي الى ذلك القطيع وتضيع علينا فرصة الصيد الثمين،
وقبل ان يجيب الأسد ،قال له الثعلبان ممازحا أوثق رباطك بحبل غليظ حتى أذهب وأعود ،فوافق الأسد العجوز فقد نهشه الجوع وأعياه التعب، فربطه الثعلبان ربطا محكما وشد وثاقه ،ثم خرج الثعلب على نية اللاعودة حتى يلاقي الأسد مصيره المحتوم بنفسه دون مساعدة أحد، وأنتظر الأسد طويلا من أجل عودة الثعلب اللئيم الذي قيد حركته وقد يئس الأسد من عودته،
وتذكر الأسد المثل الشعبي—اللي يسلم ذقنه للناس ينتفوها له شعرة شعرة —وتململ ذات اليمين والشمال إلا انه لم يستطع الافلات من القيد وبين هو على هذه الحال والجرذان تنظر اليه من جحورها وتتشمشم بأنوفها وتنظره بعيونها وبينما هو على هذه الحال المستحيل، عندها تنازل الأسد عن كبرياءه وعزة نفسه وهمهم وبكى وسالت دموعه على لحيته وشيبته واستغربت الجرذان أسد يبكي!!!، نعم وطلب من كبير الجراذين وإخوانه مد يد المساعدة والنخوة والشهامة لفك أسره،
فقال جرذ كبير منهم لم تبق نخوة وشهامة أَبُو حَفْصٍ كل له مصلحته وشروطه الأيام،
فقال الأسد أفرض شروطك ايها الجرد أنت وأخوتك على الخلاص...
فقال الجرد :-بعد أن حرك شاربيه ولحس ذنبه كعادته، والتفت يمنا وشمالا، وهمس مع أخوته، وقال رأي جماعتي أنه لا انفكاك من قيدك إلا أن ترحل من هذا الكهف الى الأبد ولا تعود اليه مرة أخرى، والأسد يتلوى بين الحبال والجرذ يطيل الكلام...
فقال الأسد أنا عند شرطك ورهن أمرك، عندها تداعت مجموعة الجراذين وبدأت تقرض الحبال والقيود عن ذلك الأسد العجوز ،فلما أنحلت قيوده أنتفض الأسد واقفا ثم وقع على قفاه ونهض مرة أخرى ونفض جسده الهزيل مما علق به، ثم قال قولته الخالدة لا خير في بلاد الثعلبان يربط والجرذ يحل الأمور، وهكذا حال البشر...
تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات /الأردن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق