الأحد، 17 نوفمبر 2019

بشر بن عوانة العبدي / بقلم الأديب احمد المقراني

بشر بن عوانة العبدي

البشر بشرا والفعال دليـــل°°°° والعزم وسمًا للأصيل خليل
والابتلاء عند الشدائد وزنًا°°°°به يُبلـَـــى الأبـي أو الــذليـل
ألا ليس الإباء بطــول قد °°°°وليس بباع المنكبين يطــول
وليس بثرثرة تصنّع جأش°°°°قد توهم الـــرائين لما يصول
وعند النازلات يزول غيم°°°°يخيـــب الظن ينطلق العويل
يبرهن بشرا أن الشك وهم°°°°وأن الشك فـي ساحتـه كليـل

بشر بن عوانة العبدي ، يقال أنه أحد الصعاليك العرب، وهو حكم مسبق أصدره من هم محتكون بظاهره ولم يختبروا باطنه،ولعل في كلمات جبران خليل جبران تعبير عن حالة بشر حيث قال : ( ألا ليست الوقاحة المبهرجة بشجاعة ولا الخجل الصامت بجبانة ) بذلك ظن البعض أن بشرا لا يعتمد عليه. اختلفت الروايات حول قصة بشر وتعقيدها وتعسير أحداثها، حتى أن بعض الروايات شككت في وجوده أصلا، واعتبرت أن الأثر الأدبي مختلق ومولد من الحكايات الشعبية التي تروى للتفكه. وفي هذه النفحة سأعتمد أحداث القصة التي أراها مقبولة ومعقولة. بشر الفقير المحكوم عليه ظلما بعدم الأهلية للقوامة، ولما كان في داخله واثقا من نفسه،مسفها الأحكام التي أصدرها في حقه نفر من محيطه،بشر طلب ابنة عمه فاطمة فاشترط عليه عمه أن يأتيه برأس الأسد الذي اتخذ من الغابة القريبة من مضارب القوم عرينا،وظل يهدد كل من يمر بتلك المفازة المخوفة،وكان الهدف إما أن يهلك بشرا ويتخلص من تبعات رفضه،أو ينجز المهمة وبذلك يشرّف عمه ، ويكون أهلا لمصاهرته ، ويسكت الأفواه المتشدقة ويصحح الأحكام الصادرة إذا كانت جائرة و غير مؤسسة. وقبل بشر وانتظر الجميع انكشاف الغبار عن المغامرة.
أصيب القوم بالذهول لما أقبل بشر ملطخا بالدماء وهو يلف رأس الأسد في ثنايا إزاره تبدو عليه أخر تكشيرة أفترت عن أنياب تخالها الخناجر. بذلك وضع بشر عمه أمام الأمر الواقع ،لكن العم وبحكمته التي أثبت بها أنه فعلا صاحب عقل وفكر،رغم أن البعض اعتبر المطلب التالي تعسيرا، إلا أنه أراد أن يبين للجميع أن بشرا إضافة إلى مهارته في استعمال السيف لابد أيضا ان تكون له مهارة في استعمال القلم وترويض القريض ،وهو مقياس الفطنة والذكاء عند العرب .طلب العم من بشر كشرط ثان أن يلقي قصيدة يحكي فيها أحداث اللقاء مع الأسد
وكانت قصيدة بشر بن عوانة العبدي التي أبدع فيها الوصف وقوة اللغة وسداد الفكرة والتعبير عنها:
أفاطم لو شهدت ببطن خـبت وقد لاقى الهزبر أخاك بشــرا
إذن لـرأيـت ليـثا أم ليثـا هزبـرا أغــــلبـا لاقــــــــــى هزبرا
تبهنس إذ تقاعس عنه مهري محاذرة فقــــلت عقـرت مهرا
أنل قدمي ظهر الأرض إني رأيت الأرض أثبت منك ظهرا
وقلت له وقـــد أبـدى نصـــــــــالاً محـددة ووجهـا مكـفـهرا
يـدل بمخلـب وبحـد نـــــاب وباللحـــــظات تحسبهن جمــرا
ففـــــيم تروم مثـلى أن يولى ويجعل في يديك النفس قســـرا
وقلبي مثــــل قلبك ليس يخشى مصاولة فكيف يخاف ذعـرا
وأنت تروم للأشبال قـــــوتـاً وأطلب لابنـة الأعمـــام مهرا
نصحتك فالتمس يا ليـث غيري طعامـاً إن لحمي كان مـرا
فلمــا ظن أن الغــش نصحي وخالفنـي كأني قلـــــت هجرا
مشى ومشيت من أسدين راما مرامـاً كــان إذ طلباه وعـرا
هززت له الحسام فخلت أنـي سللت به لـدى الظلماء فجـرا
وأطلقـت المهـند من يميني فقـد لـه من الأضـــلاع عشـرا
فخــر مجنـدلاً بــدم كأني هدمــــت بـه بنــاء مشمــــخرا
وقلت لـه يعـز علي أنـي قـتلتُ مناســـبي جلـداً وفــــخرا
ولكـن رمت شيئاً لـم يـرمه سواك فلـم أطق يا ليث صبرا
تحاول أن تعلمني فــراراً لعـمر أبيـك قــد حاولـت نكـرا
فلا تجزع فقـد لاقـيت حراً يحاذر أن يعـــاب فمـتّ حرا
وخلاصة القول (صلوا على أنبل وأكرم رسول): أن الحكم على إنسان مّا لا يؤمن صدقه ومصداقيته إلا بعد أن يمر بالاختبار والدراسة والتمحيص، لا يمكن أبدا الحكم على شخص من خلال مظهره المادي أو المعنوي الظاهر الذي يمكن أن يخدعنا فنضع الشيء في غير موضعه.
المرأة ليست فقط بقدها الأملود، ولا بالجنائن الموردة على الخدود ، المروية من عيونها السود. ولا بالسهل على الصدر الحافل بالورود، المحلى بربوتي النهود. كذا الرجل لا يمكن الحكم عليه من خلال العرض والطول وهول الجأش فيما يزعم ويقول، بل الحكم لابد أن ينبني على الجوهر من النفس والقلب والإحساس والأخلاق والمواقف. قال تعالى: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم(31) سورة محمد. والأخبار هي ما ظهر منها وما خفي ولا يتم ذلك إلا بالدرس والاختبار.
وقال الشاعر العباس بن مرداس
تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ°°° وَفي أَثوابِهِ أَسَــــــــدٌ مُزيرُ
وَيُعجِبُكَ الطَــــــــريرُ فَتَبتَليهِ°°° فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ
فَما عِظَمُ الرِجالِ لَهُم بِفَخـــر°°°ٍ وَلَكِن فَخـــــرُهُم كَرَمٌ وَخَيرُ
بُغاثُ الطَيرِ أَكثـــــَرُها فِراخاً°°° وَاُمُّ الصَقــرِ مِقلاةٌ نـــزورُ...

وقال أبو محمد اليمني:
لا تحتقر كيد الضعيـف فربمـــا°°°تموت الأفاعي من سموم العقارب
وقد هد قدما عرش بلقيس هدهد°°°وخــــــرب حفـر الفأر سد المآرب ..
وفي ذلك فليتعظ المتعظون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد المقراني.

[
](https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2618662334855364&set=a.593550434033241&type=3&eid=ARBbJWGkYazMoZclwNjPPACe6lAzR5fCMEwaaoxypdA0hkzWiOekCrmQgGszjKFEpNekmzxjD79oVOXY)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق