السبت، 10 أبريل 2021

النفس البشرية / بقلم دكتور عبد الحكيم علي محمد الناشري

::
بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان البحث:
النفس البشرية:
- محتويات ( محاور ) البحث:
١- مقدمة.
٢- هدف البحث.
٣- أهمية البحث.
٤- إشكالية البحث:
٥- منهجية البحث.
- المنهج الوصفي.
٦- مباحث البحث:
الفصل الأول:
- الأطر النظرية:
أولا- تعريف النفس البشرية:
ثانيا- أنواع النفس البشرية:

الفصل الثاني:
   ١- المطلب الأول:  
           النفس الأمارة بِالسُوءِ:  
       ٢- المطلب الثاني:  
           النفس اللوامة:
       ٣- المطلب الثالث:  
           النفس المطمئنة:
       ٤- المطلب الرابع:  
           النفس الراضية:
       ٥- المطلب الخامس:  
           النفس المرضية:
      ٦- المطلب السادس:  
           النفس الملهمة:

- الفصل الثالث:                
          الأصناف البشرية الثلاثة التي 
      ورد ذكرها بالقرآن في سورة البقرة:

-الفصل الرابع:
           الإعوجاج ومسألة التقييم والتقويم
  والحلول الهادفة إلى معالجة الإعوجاج البشري:
    - المطلب الأول:
      الإعوجاج البشري وأسبابه:
    - المطلب الثاني:
                 تقييم وتقويم الإعوجاج النفس  البشرية:

    - المطلب الثالث:
         الحلول الهادفة إلى معالجة الإعوجاج النفس البشرية.

                    ١- مقدمة:

           إن الحديث عن طبيعة النفس البشرية ليس بذاك الأمر الهين والسهل حيث أن الحديث عن النفس البشرية يتطلب منا الإلمام الكامل أولا عن أنواع النفس البشرية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والتي بينها لنا الحق سبحانه وتعالى في مواضع مختلفة في كتابه الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه.
             حيث بين الله سبحانه وتعالى في القران الكريم ستة أنواع من أنواع النفس البشرية وهي النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة والنفس المطمئنة والنفس الراضية والنفس المرضية وآخيرا النفس الملهمة التي بدأ في تسويتها جل شأنه ثم ألهمها فجورها وتقواها كما ورد في قوله تعالى في سورة الشمس في الآيتين ( ٧ ) ( ٨ ) وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا }}. صدق الله العظيم.
        
     بينما بين لنا الخالق عز وجل ثلاثة أصناف من البشر وهم المؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره، وهذا الصنف يعده الله الخالق عز وجل بجنات الفردوس كما ورد بقوله تعالى في سورة الكهف في الآيتين ( ١٠٧ ) - ( ( ١٠٨ ) وهو أعز قال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{{  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ( ١٠٧ ) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ( ١٠٨ ) }}. صدق الله العظيم.
           أم الصنف الثاني وهو الكافر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقضاء والقدر خيره وشره أما الصنف الثالث من البشر فهو ذاك النوع من البشر الذي توسوس له نفسه ويوسوس له الشيطان فيخلط بين الحق والباطل وهذا النوع من البشر قد يكون ممن ينتمي إلى المجتمع الإسلامي لكنه يتبع أهواه وبما توسوس به له نفسه ممن ينطبق عليه وصف الخالق عز وجل بقوله تعالي في سورة الأعراف الآية ( ١٧٦ ) وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون }}.
              صدق الله العظيم.
وقوله تعالى في سورة الكهف في الآيات( ١٠٣ )- ( ١٠٨):
{{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً (١٠٣ ) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ( ١٠٤ ) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ( ١٠٥ ) ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَاتَّخَذُواْ آياتي وَرُسُلِي هُزُواً ( ١٠٦ ) }}.
               صدق الله العظيم.

       وقد ورد في سورة البقرة وصف شامل ومتكامل عن عن الأصناف الثلاثة وهم المؤمن والكافر والمنافق وقد خصصنا لمثل هذا الأمر المساحة الكافية في طي صفحات هذا البحث.
          
            وحاولنا من خلال هذا البحث نبين حقيقة أمر الصنف الثالث وهم المنافقين وهو تكملة التقسيم الطبيعي الذي يتميز به هذا الفريق في مواجهة دعوة الحق، والتي دائمًا تواجهها وبشدة الكثير من الحجرات العثرة التي تقف في طريقها من قبل المبطلين وقد أرسل الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل لدحض مبطلات المبطلين وأيدهم بالكثير من المعجزات وأنزل الكتب السماوية الأربعة آخرهم كتاب الله القرآن

الكريم والذي أنزله الله على سيدنا محمد ( ص ) والمبين فيه الآيات القرآنية التي نزلت مبينة للناس حقائق الأمور المتعلقة بدينهم ودنياهم وآخرتهم. 
 حيث يناقش هذه البحث إشكالية البحث من خلال تناوله أربعة فصول متكاملة فقد أهتم الفصل الأول بالجانب النظري أما الفصل الثاني فقد تناول مناقشة أنواع النفس البشرية من خلال ستة مطالب حيث أن كل مطلب من المطالب الستة تناول كل نوع من الأنواع النفس البشرية الست على حدة.
        أم افصل الثالث فقد أهتم في مناقشة الأصناف البشرية الثلاثة التي ورد ذكرها بالقرآن الكريم في سورة البقرة والفصل الرابع فقد خصص لمناقشة مسألة الإعوجاج ومسألة التقييم والتقويم والحلول الهادفة إلى معالجة إعوجاج النفس البشرية:
                  
                   ٢- هدف البحث:

             إن الهدف العام من هذا البحث هو التوصل إلى تحقيق النقاط التالية:
١- معرفة مسببات البحث الرئيسية والمتعلقة بمسألة إعوجاج النفس البشرية.
٢- تقييم إعوجاج النفس البشرية.
٣- وضع الحلول الهادفة إلى معالجة الإعواجاج ذاته.

                   ٣- أهمية البحث:

         إن الأهمية من هذا البحث تكمن في الحلول الهادفة إلى معالجة إشكالية البحث والتي يمكن التوصل إليها من خلال تحقيق النقاط التالية:
١- معرفة مسببات البحث الرئيسية والمتعلقة بمسألة أعوجاج النفس البشرية.
٢- تقييم إعوجاج النفس البشرية.

                   ٤- إشكالية البحث:
 
                    تمكن إشكالية البحث بالعبارة التالية: " الوضع المزري الذي يعيشه المرء بسبب الصراعات والنزاعات بين أفراد المجتمع نتيجة إعوجاج النفس البشرية عند ضعفاء النفوس وتجار الحروب في هذه الدنيا الفانية. "
                   ٥- منهجية البحث:
 - المنهج الوصفي.

                  - الفصل الأول:
                  الأطر النظرية:

 أولا- تعريف عام للنفس البشرية:
      ١- تعرف النفس البشرية هي:
        
   الجزء الّذي خاطبه القرآن الكريم والمكلّف دائماً في الأمور، والنّفس هي الذّات، وهي الأساس في الإنسان، ودليل ذلك ما جاء في كتابه تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) غافر: (17) ويمكن تقسيم النّفس إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وهي:
أ- النفس المطمئنة قال تعالى : ” يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ” [الفجر: 27]. 
ب- النفس اللوامة قال تعالى : ” وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ” [القيامة: 2] .
ج- النفس الأمارة بالسوء قال تعالى : “ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ” [يوسف: 53] .
           وتعرف النفس البشرية بأنها جزءا لا يتجزا من الإنسان، فالنفس غير مادية أو محسوسة، حيث اطلق عليها مفاهيم كثيرة من قبل الأديان المختلفة، ومن هذه المفاهيم: الروح، والعقل، واللاوعي.

   ٢- تعريف النَّفْسُ لغةً:

                  تعرف النفس لغة بمعنى الروح، وبمعنى حقيقة الشيء وذاته، وبمعنى الدم، والأخ، والحسد، وجمعها نفوس وأنفس، أما في الاصطلاح فالنفس حسب ما ورد في كتاب التعريفات هي جوهر بخاري لطيف، يحمل قوة الحياة والحركة الإرادية والحس، أما في القرآن الكريم فتأتي بعدة معاني، نذكر منها:
- أنها: الروح، قال تعالى:
     (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا).
- الإنسان، أي أنها الشخصية البشرية بكليتها وهيئتها، لحمًا ودمًا وشخصية.
- العقل، أي القوى المفكرة، قال تعالى: 
    ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ).
- قوى الخير والشر في الذات الإنسانية.
          وفي تعريف آخر فهي شيء مختلف عن الروح والعقل، وإنما هي نتيجة التقاء الروح بالجسد، يعرف الإنسان فيها بوجدانه وأحاسيسه ومدراكه، فهي ذاته.

               قال ابن منظور : النَّفْسُ في كلام العرب على ضربين :
* أحدهما : قولك خرجتْ نفسُ فلان ؛ أيْ : روحُهُ ، وفي نفسِ فلانٍ أنْ يفعلَ كذا ؛ أي : في روعهِ .
* والآخر : جُملةُ الشَّيءِ وحقيقتُهُ ، تقول : قتلَ فلانٌ نفسَهُ ، وأهلَكَ نفسَهُ ؛ أيْ : أوقعَ الإهلاكَ بذاتهِ كلِّها.
بينما قال ابن خالويه : 
النَّفْسُ : الرُّوحُ ، والنَّفْسُ : ما يكونُ به التمييز ، والنَّفس : الدَّمُ ، والنَّفسُ : الأخُ ، والنَّفسُ بمعنى عندَ .
  -أمَّـا النَّفْسُ بمعنى الرُّوح ، والنّفس ما يكون به التّمييز فشاهده قول اللّه تعالى : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَـوْتِـها.
- سورة الـزُّمَـر :( 42 ).
          فالنَّفسُ هي الّتي تزول بزوال الحياة
 والنَّفسُ الثّانية هي الّتي تـزول بـزوال العقل.

وأمَّـا النَّفْسُ بمعنى الـدَّمِ فشاهدها قول السَّموءل :
      تسيلُ على حَـدِّ الظِّباتِ نفوسُنا وليستْ على غيرِ الظِّبات تسيلُ.
       وأمّا النّفس بمعنى الأخ فشاهدها قول اللّه تعالى : (فإذا دخلتمْ بيوتاً فسلِّمُـوا على أنفسكمْ) - سورةالنور : ( 61 ).
النَّفْسُ : الإنسان جميعه ؛ كقولهم : عندي ثلاثةُ أَنْفُسٍ ، وذلك كقوله تعالى : 
(أنْ تـقولَ نـفسٌ : يـا حَسْرتـا على مـا فَـرَّطْتُ فـي جَـنْـبِ اللَّهِ ) - سورةالـزُّمَـر : 56]. 
               وروي عن ابن عبَّاس - رضي اللّه عنهما : لكلِّ إنسان نفسان : إحداهما نفسُ العقل الّذي يكون به التَّمييز ، والأخرى : نفسُ الرُّوح الذي به الحياة.
 * قال بعض اللغويين : النَّفْسُ والـرُّوح واحد ، وقال آخرون : هما متغايران ؛ إذِ النفسُ هي التي بها العقل ، والروحُ هي الّتي بها الحياةُ ، وسمّيتِ النفسُ نفساً ؛ لتولُّدِ 
النَّفَسِ منها واتّصالهِ بها ، كما سمّوا الروحَ روحاً ؛ لأنَّ الروحَ موجودٌ بها.
- ومن معاني النّفس أيضاً : الـعَظَمَـةُ والـكِـبَـرُ ، والـعِـزَّة ، والـهِمَّـةُ ، وعينُ الشَّيءِ : كُنْهُهُ وجوهرُهُ ، والأَنَفَةُ ، والعينُ التي تصيبُ المعين أيْ : من أصابتْهُ العينُ الحاسدة.

 = ينظر : صِحاح اللغة وتاج العربية للجوهري , و مقاييس اللغة لابن فارس ، و لسان العرب لابن منظور .

      ٢- تعريف النفس إصطلاحا:

           النفس في الاصطلاح هي الجوهر  اللّطيف الحامل لقوّة الحياة والحسّ والحركة الإراديّة - كتاب التعريفات للجرجاني.
          النَّفْسُ - نَفْسُ : والجمع : أَنْفُسٌ، ونُفوسٌ . الرُّوحُ . و النَّفْسُ ذاتُ الشيء وعينُه . يقال : جاءَ هو نفسُه أَو بنَفْسِه . وفلانٌ ذو نَفْس : خُلُق وجَلَد.

      
ثانيا- أنواع النفس البشرية:
           
             أنواع النفس البشرية كما و ذكرها في القرآن الكريم هي كما يلي:
     ١)- النفس الأمارة بِالسُوءِ.
    ٢)- النفس اللوامة.
    ٣)- النفس المطمئنة.
    ٤)- النفس الراضية.
    ٥)- النفس المرضية.           
    ٦)- النفس الملهمة.

                  الفصل الثاني:
                 المطلب الأول:  
          ١- النفس الأمارة بِالسُوءِ:

١- تعريف النفس الأمارة بِالسُوءِ:

              النفس التي تأمر الإنسان بعمل السوء.

٢-١)- الأدلة الدالة على قسم الخالق عز وجل بالنفس الأمارة بِالسُوءِ:
     - الدليل من القرآن:
             قال تعالى وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
           (( وما أبرئ نفسي أن النفس لأمرة بالسُوءِ إلا من رحم ربي إن ربي غفور رحيم )).
                   صدق الله العظيم
             سورة يوسف - الآية:( 53 ).
          
                   المطلب الثاني:  
                 ٢- النفس اللوامة:

٢-١)- تعريف النفس اللوامة وهي:

                     النفس التي تندم بعد ارتكاب المعاصي والذنوب فتلوم نفسها.
          وتعد النفس اللوامة النوع الأول من أنواع الأنْفُسٌ الست التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.
        وإن الله سبحانه وتعالى أقسم بالنفس اللوامة، ولو أنها لم تكن من أعظم النفوس ما أقسم بها عز وجل.
           وتعد النفسَ اللوامة هي ألدّ الأعداء تأمر صاحبها بالسوء ومن ثم تلوم نفسها بعد إرتكاب المعصية أي أنّها مهيّأةٌ للتبدّل والترقّي، ولو أن المرء أحسنّ تربيتها وتزكيتها لتحوّلت إلى مطيّةٍ تقرّب الإنسانَ من الله وتجرّه نحو الفلاح، ولذلك فقد أقسم الله سبحانه وتعالى في سورة القيامة الآية ( ٢ ) بقوله وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:﴿وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).
       فالنفس اللوامة هي النفس التي تخطو الخطوة الأولى وتحقق الانطلاقة الأولى في عملية التحول أو التبدّل والترقّي، وهي التي تلوم صاحبَها على ما أصابه من خطأ وما ارتكبه من معاصٍ، فتحاسبه وتجعله يبحث عن سبلٍ للخلاص أو عن أسبابٍ أخرى للكفاح حتى لا يتكرّر سقوطه في نفس الأخطاء والمعاصي مرّة أخرى، فتسوقه إلى التوبة والاستغفار، وإنّ تخلُّصَ الإنسانِ من أسر نفسه الأمارة، حيث أن انتقالَه إلى مرتبة النفس اللوامة له أهميةٌ بالغة في تزكية النفس وترقّيها إلى مستوى النفس التالي لها.
            إن نقطة الانطلاقٍ الأُولى على سلّم مراتب النفس الأخرى، لا يتحقق بشكل متكامل ولكنه يتحقق للإنسان تدريجيًّا إلى أن يصل إلى أعلى مراتب النفس.
        حيث ترتقي النفس من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة ثم المُلْهَمة، ومنها إلى النفس المطمئنة، وإلى النفس الراضية، فالنفس المرضية، وصولًا إلى النفس الصافية أو الزكيّة.

وهكذا فإن النفس التي تلوم صاحبها على ما اقترفه من أخطاء وما ارتكبه من معاصٍ، تتوجّه دائمًا إلى الله بقولها:
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (سُورَةُ الأَعْرَافِ: 23/7)، وتكشف عن إرادتها وعزمها على عدم التردي في هذه الذنوب مرةً أخرى؛ إن استمرت على مكافحتها ومجاهدتها فإنها ترتقي إلى مرتبة النفس المُلْهَمة التي تخفق وتحلّق في سماء أفق القلب والروح.

٢-٢)- الأدلة الدالة على قسم الخالق عز وجل بالنفس اللوامة:
     - الدليل من القرآن:
         قال تعالى وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
                 
        (( ولا أقسم بالنفس اللوامة )).
               صدق الله العظيم
           سورة القيامة - الآية:( ٢ ). 
                              
                   المطلب الثالث:
                ٣- النفس المطمئنة:

٣-١)- تعريف النفس المطمئنة وهي:

        النفس الأمنة والتي لا يستفزها خوف ولا حزن والواصلة إلى مرحلة الأطمئنان والراحة والطاعة التامة لأوامر الله عز وجل والمشمولة بعناية ربانية.
         قال تعالى وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
         (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية  )).

                 صدق الله العظيم
     سورة الفجر - الآيات:( 27 ) - ( 28 ).
 
      فالنفس المطمئنّة هي التي بلغت أوجَ الكمال في أفق الإيمان والعرفان، وأغلقت الأبواب وأوصدَتْها دون كلِّ الأشياء ما عدا رضا الله تعالى ومرضاته، فلم يكن لها أيّ تشوُّفٍ آخر، يقول جل وعلا:
 ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾
                صدق الله العظيم
         (سُورَةُ الفَجْرِ: 27/89-30).

              مثل هذه النفس تعيش دائمًا في توجّهٍ إلى الله، وتستغلّ كلَّ دقيقةٍ أو ثانيةٍ من عمرها في سبيل الفوز برضا الله، وترضى دائمًا بقضاء الله تعالى وقدره؛ إذ إنّ إحساس الإنسان بالرضا في نفسه عن الإجراءات الإلهية لهو مؤشِّرٌ على رضا الله تعالى عنه أيضًا. 

                   المطلب الرابع:
                 ٤- النفس الراضية:

٢-١)- تعريف النفس الراضية وهي:
        النفس التي رضيت بما أتيت.
                                  
         قال تعالى وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
                 
       ( يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية)).

               صدق الله العظيم
           سورة القيامة - الآية:( ٢ ).

                   المطلب الخامس:
                 ٥- النفس المرضية:

٢-١)- تعريف النفس المرضية وهي:
        النفس التي رضيت بما أتيت.
                                  

         قال تعالى وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
                 
       ( يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية)).

               صدق الله العظيم
           سورة القيامة - الآية:( ٢ ).

وبناء على ما سبق الحديث عن النفس المطمئنة وكذا النفس الراضية فإنه ولا بد من الإشارة هنا إلى ما يراه بعضُ المحقّقين والذين يذهبون بقولهم إلى أن النفس الراضية والنفس المرضية بمثابة جناحين مفتوحين للنفس المطمئنة، فمثل هذا الشخص الذي يرضى عن الله ويرضى الله عنه لا يُفرّقُ بين الجفاء إن كان من جلاله والوفاء إن كان من جماله، فكلاهما صفاء بالنسبة له، فضلًا عن ذلك فإن هذا الإنسان على اعتبار أنه من أبطال “هل من مزيد؟” يحاول ويسعى إلى أن يزيد معرفته دائمًا وأن يكون قريبًا من ربه بناءً على قربه سبحانه وتعالى منه، وذلك بتخطّي المسافات التي تبعده عنه.

                 
                   المطلب السادس:
                   ٦- النفس الملهمة:

- النفس المُلْهَمة هي:

                      التي قطعت كلّ السبل أمام أنواع الشرور متجهة نحو ربها وخالقها عزّ وجلّ في حركاتها وسكناتها، وهي النفس التي تتجلّى فيها المواهب الإلهيّة.
 وهي النفس التي تتميز بالصفاء والنقاء والطهارة، وإن الله يُلهِمُها الحسنى والطيّبات وما يُفضي إلى رضوانه جلّ جلاله، وهو القائل: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (سُورَةُ العَنْكَبوتِ: 69/29)، 
وقوله تعالى في سورة الشمس الآيتين ( 7 ) , ( 8 ) وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{{ ونفسٍ وما سواها ( 7 ) فألهمها فجورها وتقواها ( 8 ) }.صدق الله العظيم.

               صدق الله العظيم
              
                    الفصل الثالث:
                
             الأصناف البشرية الثلاثة التي 
      ورد ذكرها بالقرآن في سورة البقرة:

١- الصنف الأول: وهو الصنف الآمن.
  ١-١)- تعريف الصنف الآمن:
  ١-٢)- الآيات القرآنية الدالة على ذلك:
٢- الصنف الثاني: وهو صنف الكفر:
٣- الصنف الثالث: وهو صنف الطامة الكبرى من الناس:

                   المطلب الأول:
                 ١- الصنف الأول:
         الصنف الآمن وهم " المؤمنين ":

  ١-١)- تعريف الصنف الآمن وهم:
         المؤمنون الذين أمنوا بالله  وملائكته وكتبه ورسله لا يفرقون بين أحد من رسوله وقالوا سمعنا وأطعنا وهم المؤمنون حقا بالله وهم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والقائلون ربنا ولا تجعلنا من القوم الخاسرن ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
      
  ١-٢)- الآيات القرآنية الدالة على ذلك:

الآية 3: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾: أي الذين يُصَدِّقون بكل ما غابَ عن حَواسُّهم مِمَّا أخبرَ به الرُسُل، (واعلم أنّ الإيمان: هو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدَر خيره وشره، وهذا التصديق يكونُ إقراراً بالقلب، وقولاً باللسان، وعَمَلاً بالجَوَارح)، ﴿ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾: يعني ويُحافظون على أداء الصلاة في أوقاتها أداءً صحيحًا (وَفْقَ ما شرَعَ اللهُ لِنبيِّهِ محمد صلى الله عليه وسلم)، ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ - مِن أنواع المال - ﴿ يُنْفِقُونَ ﴾: أي يُخرِجون صَدَقة أموالهم الواجبة والمستحبة.

الآية 4: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ أيها الرسول من القرآن والسُنَّة، ﴿ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾: أي ويؤمنون بالكتب التي أُنزِلَت على الرُسُل الذين مِن قبلك، كالتَوْراة والإنجيل وغيرهما، ﴿ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾: أي ويُصَدِّقون - تصديقاً جازماً - بالحياة الآخرة وما فيها من الحساب والجزاء، (وقد خَصَّ تعالى الإيمان بالآخرة، لأنَّه مِن أعظم المحفزات على فِعل الطاعات، واجتناب المُحَرَّمات، ومُحاسبة النفس).
 
الآية 5: ﴿ أوْلَئِكَ عَلَى هُدًى من ربهم ﴾: أي على نورٍ من ربهم، وبتوفيقٍ مِن خالِقِهم وهادِيهم، ﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾.
 

                     المطلب الثاني
             ٢- الصنف الثاني وهو:
                  صنف " الكفار ":

٢-١)- تعريف الصنف الكفار:
٢-٢)- الآيات القرآنية الدالة على ذلك:
             في الآيتين التاليتين قال تعالى في الآية 6: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾: أي لا يقعُ الإيمان في قلوبهم لإصرارهِم وعنادِهِم مِن بعد ما تبين لهم الحق).

وفي الآية 7 قالى تعالى:
        ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾: أي طبعَ قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم أي غطاء وطمس عليها لكي يستمرون في ضلالهم.

                  المطلب الثالث:
             ٣- الصنف الثالث وهو:
         صنف الطامة الكبرى من الناس
                  وهم: "المنافقون ":

قال تعالى وهو أعز قائل في الآية 8 من سورة البقرة وهو أعز قائل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
 ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُول آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴾: يقول ذلك في لسانه وهم في باطِنِهم كاذبونَ لم يُؤمنوا (وهؤلاء هم المنافقون الذين يُظهِرونَ الإيمانَ للناس، ويُخفونَ الكُفرَ في صدورهم).
 
وقوله تعالى في الآية 9: ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ، وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾: 
   أي يعتقدون بجهلهم أنهم يُخادعونَ الله لأن عاقبة خِداعِهِم تعودُ عليهم، أي وما يُحِسّون بذلك لفساد قلوبهم.
 
وقوله تعالى في الآية 10: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فزادهم اللهُ مرضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾.
              أي شكٌّ وفسادٌ وشهوات، فابْتُلُوا بالمعاصي المُوجِبَة لعقوبتهم.
وقوله تعالى في الآية 11: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ ﴾ بالكفر والمعاصي، وإفشاء أسرار المؤمنين، ونُصرة الكافرين ومحبتهم ﴿ قَالُوا ﴾- جِدَالاً وكَذِباً -: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾.
 
وقوله تعالى في الآية 12: 
﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ لأنَّ ما يَفعلونه - ويَزعُمون أنه إصلاح - هو بذاتِهِ عَينُ الفساد ولكنهم لا يشعرون بذلك لِجَهْلِهم وعِنادهم.
وقوله تعالى في الآية 13:

 ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ﴾ أي آمِنُوا - مثل إيمان الصحابة وهو الإيمان بالقلب واللسان والجَوارِح -، ﴿ قَالُوا ﴾ - جِدالاً واستهزاءً -: ﴿ أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ ﴾ أي ضِعاف العقل والرأي؟، فرَدَّ اللهُ عليهم

بقوْلِه: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ﴾ ﴿وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أنَّ ما هم فيه هو الضَلال والخُسران المُبِين.
 
وقوله تعالى في ‏الآية 14: ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾: أي إلى زعمائهم الكفرة المتمردين، وبلسانهم يقولون لكننا نستخِفُّ بهم، ونسخرُ منهم.
 
فيرد الله عليهم بقوله في ‏الآية 15: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، ويَمُدُّهُم في طغيانهم يعمهون ﴾: أي يُمْهِلُهُم ليزدادوا ضلالاً وحِيرَةً وترَدُّداً).
 
الآية 16: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْوَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾  المنافقون هم ﴿ الَّذِينَ اشْتَرَوُا ﴾ أي استبدلوا ﴿ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ﴾ ﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾ لأنهم باعوا أنفسهم في صفقةٍ خاسرة، حيثُ استبدلوا النعيمَ المقيم بالعذاب الأليم، ﴿ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ إلى الرُّشد والصواب.
 
وفي الآية 17 من سورة البقرة قال تعالى عن أمثال أولئك المنافقين: ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ﴾: وهذه النار - في نورها - مِثلُ رسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ﴿ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ﴾: أي فلما أضاءت هذه الرسالة الدنيا بنورها، آمنوا بها، ثم كفروا فـ ﴿ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ﴾: وهي ظلمات ضلالهم ﴿ لا يُبْصِرُونَ ﴾. لأنهم صم عن سماع الحق وبكم  أي خرس عن النطق بالحق لا يسمعون وبكم خرس لا يتكلمون وعميان لا يبصرون كما ورد بقوله  تعالى في ‏الآية 18: ﴿ صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾ أي صم عن سماع الحَق، ﴿ بُكْمٌ ﴾ خُرْسٌ عن النطق به، ﴿ عُمْيٌ ﴾ عن إبصار نور الهداية، ﴿ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾: أي لذلك فهم لا يستطيعون أن يرجعوا إلى الإيمان الذي تركوه - بعد أن عرفوا أنه الحق -، واستبدلوه بالضلال).
ويصفهم الخالق سبحانه وتعالى أيضا في االآية 19: بقوله ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾: أي مَثَلُهُم كَمَطَرٍ شديدٍ نازلٌ مِنْ السَّمَاءِ، ﴿ فِيهِ ظُلُمَاتٌ﴾: وهي ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمات المطر،﴿ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ ﴾ المُحرقة والرعد القاصِف، ﴿ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾: أي خوفًاً من الهلاك، وهذا هو حال المنافقين إذا سمعوا القرآن، جعلوا أصابعهم في آذانهم، وأعرضوا عن أمره ونهيه وَوَعدِهِ وَوَعِيدِه، فهم يُعرضون عنه غاية ما يُمكنهم، ويكرهون سماعه مثل كراهة الذي يسمع الرعد ويخاف منه، ﴿ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ فهُم لا يَفوتونه، ولا يُعجزونه.
          ويختتم الخالق جل شأنه خطابه عن ألئك المنافقين وكما ورد في قوله في الآية 20:
  ﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ ﴾ مِن شدة لمعانه ﴿ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ﴾، ومع ذلك ﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ﴾: أي مشَوْا في ضوءِه، ﴿ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ﴾: أي وقفوا في أماكنهم متحيرين، وهذا هو حال بعض المنافقين، يظهر لهم الحق أحياناً، ثم يَشُكُّون فيه أحياناً أخرى، ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ﴾: أي ولولا إمهال الله لهم لَسَلَبَ سمعَهم وأبصارَهم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ لا يُعجِزُهُ شيء، ومِن قدرتِهِ تعالى أنه إذا شاءَ شيئاً فعَلهُ مِن غير مُمانعٍ ولا مُعارض).
       
                       الفصل الرابع:
                         الإعوجاج 
             ومسألة التقييم والتقويم
                والحلول الهادفة إلى
                  معالجة الإعوجاج:

                    المطلب الأول:
             إعوجاج النفس البشرية
                      وأسبابه:
                   
أولا- تعريف إعوجاج النفس البشرية:
ثانيا- أنواع إعوجاج النفس البشرية:
     ١- اللهو أي إتباع المرء أهواه والخضوع لأوامر نفسه الأمارة بالسوء ونفسه اللوامة التي سرعان ما تعود إلى لوم صاحبها بما قام به وبما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
    ٢- إصرار المرء في كثير من الأحيان بما يعمله أو يقوم به من إرتكاب ما يضره ولا ينفعه في حياته الدينية والدنيوية وفي الآخرة.

٣- عدم وضع المرء نفسه في محك التقييم الصحيح والسليم ومحاسبة نفسه في كل ما عمله ويعمله يوميا قبل أن ينام في نهاية كل يوم من عمره
ثالثا- الأسباب:
     ١- الأسباب الرئيسية:
       أ- ضعف الإيمان بالله.
     ب- الجهل والمرض اللذان أعميان قلبه وصمان سمعه وجعل منه أبكم أي أخرس لا ينطق بالحق وإنما ينطق عن هواه الملازم له.
     ٢- الأسباب الثانوية:
       أ- الإستخفاف بالآخرين.
      ب- اللامبالاة في كلما يأتيه من نصح ومشورة قد يستشيرها فيرمي بها في عرض الحائط.
  
                   المطلب الثاني:
            تقييم وتقويم إعوجاج
                  النفس البشرية:
١- تقييم إعوجاج النفس البشرية:

    يعد التقييم الذاتي self-assessment  تمريناً على التأمل ويجب القيام به بشكل دوري ومن فترة إلى أخرى. 
 وتعد عملية التحليلات الدائمة والمستمرة طريقة عظيمة تساعد المرء على فهم أدائه والاستمرار في التقدم والتطور. بإلقاء نظرة سريعة على الموضوع الذي قد يبدو له صعباً، فالنّظر إلى النفس بنظرة حيادية تتطلب مقداراً جيداً من معرفة الذات self-knowledge.

٢- تقويم إعوجاج النفس البشرية:

        وهكذا، فلو سرنا مع تعاليم الإسلام وشرائعه فإننا سوف نجدها جميعها تهتم بالنفس وتزكيتها، وتهذيب طباعها، وتقويم ما فيها من اعوجاج؛ لتدفعها للخير امتثالاً لأوامر الله عز وجل  

                    المطلب الثالث:
           الحلول الهادفة إلى معالجة 
                الإعوجاج البشري:

أولا- الإهتمام بنشأة وتربية فلذات أكبادنا تربية دينية صحيحة وسليمة والإهتمام في تربيتهم وتعليمهم المناهج التعليمية الدينية والعلمية والثقافية الهادفة لتكوين وبناء شخصيتهم وقواهم العقلانية والروحية والجسدية وكما أمرنا ديننا الإسلامي الحنيف وبينه لنا الخالق عز وجل في كتابه الكريم وعلى لسان الحبيب المصطفى ( ص ).
 ثانيا- الإستفادة من تجارب الآخرين في تربية وتهذيب النفس اابشرية فيما يتعلق في تربية الأبناء بهدف نشأة جيل صالح ومستقيم.
         قالوا قديما أن {تربية الأبناء تتلخص في كلمتين} وهما:
الأولى- كلمة ( نمل ):
          والتي لا بد من تجنُّبها.
الثانية- كلمة (نحل) والتي يجب أن نعمل بها.

                    - الكلمة الأولى:  
           حاربوا النمل في ثلاثة أحرف: 

١)- ن = نقد ، قللوا من النقد، لا تكثروا الانتقاد لأبنائكم وبناتكم، فإن النقد يقلل من الثقة بالنفس، ويجعل هذا الإنسان مهزوماً مهزوزاً من الداخل.

٢)- م = مقارنة ، تجنبوا المقارنة مع الآخرين، لا تقارنوه بإخوانه الصغار أو أخواته الصغار، لا تقارنوه بأولاد الجيران أو أولاد فلان، كل ولد متميِّز ومختلف عن الآخر. المقارنة الوحيدة المسموحة هي بين القدرات وبين الأداء..
(ماذا تستطيع؟ وماذا تفعل ؟).

٣)- ل = لوم ، تجنبوا اللوم وكثرة العتاب.

فالنقد والمقارنة واللوم يجعل العلاقة سلبية والفجوة تكون كبيرة بيننا وبين أبنائنا.

                   - الكلمة الثانية:
     رحبوا بـ(النحل ) وفيها ثلاثة أحرف: 

١) ن = نجاح ، ركزوا على النجاح، كلما نجح هذا الابن وهذه البنت عززوا ذلك بالثناء وبالإشادة وبالفرح والسرور والابتهاج والشكر والحمد والثناء، 
هذا الابن قام بأداء واجباته المدرسية فقل له: ما شاء الله هذه صفة من صفات الناجحين. كلما عمل عملًا إيجابيا عزِّزوه بالإشادة.

٢) ح = حسن الخلق ، في التعامل مع الآخرين ونبدأ بأبنائنا وبناتنا، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ويقول عليه أفضل الصلاة والتسليم: (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً). فلماذا نكون عنيفين خشنين مع أبنائنا وحسن الخلق نجده خارج البيت؟ فلنبدأ في بيوتنا (خيركم خيركم لأهله). 
٣) ل = لين ، كن ليناً مع أبنائك، فاللين مطلوبٌ في كثير من الأوقات وخاصةً ونحن نتعامل مع أبنائنا مع فلذات أكبادنا.
        وبناء على ما ورد الإشارة إليه في هذه الفرة فإنه ولابد من  تحقيق الشروط التالية ليس في تربية الأبناء فحسب بل في التعامل والتخاطب والحوار مع الناس والمتمثلة بالنقاط التالية:
 
أ- محاربة أساليب التعاملة القاتلة (النقد والمقارنة واللوم).
 ب- دعوة الناس إلى التعامل مع بعظهم البعض بالطرق والأساليب المثلى التي دعانا إلى العمل بها والتمسك بها ديننا الإسلامي الحنيف  ( حسن الخلق واللين) في التعامل مع بعضنا ومع أبنائنا.
    وأختتم هذه الفقرة بالدعاء لله سبحانه وتعالى:

(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما).

ثالثا- عدم الإفراط بحب الذات وعليه يجب علينا أن نعلم علم اليقين أن حب الذات وإعوجاج النفس هو مرض نفسي يجرنا إلى الهاوية ومن أجل ذلك علينا أن نتحلى بمبادئ وقيم مكارم الأخلاقة التي يجب أن نحطها نصب أعيننا في تعاملاتنا اليومية مع كافة الناس بكل صدق وأمانة ووفاء وحلم .... الخ.

وعلينا أن نحط في أذهننا دائما أن العمل بمكارم الأخلاق التي بعث من أجل
 إتمامها خاتم وإمام الأنبياء والرسول محمد بن عبدالله ( ص ) شيء ضروريا في حياتتنا اليومة.

رابعا- علينا كبسر أن نعلم علم اليقين بأن التعالي والتكبر والتغطرس وحب الذات لم ولن يفيدنا في حياتنا الدينية والدنيوية وفي آخرتنا, وإن عمل كهذا لا يرضي الخالق عز وجل لذلك لكي يخرج المرء نفسه من داخل نطاق هذه الدائرة الضيقة والمهلكة أن يعود إلى كتاب الله ويقرأ آياته البيانات الدالة على التعامل وتلك التي ورد فيها النصح فيما يتعلق بهذه النقطة المتعلقة بموضوع الحلقة وتلك النصائخ العشر التي أوصى بها لقمان لإبنه والتي وردة في سورة لقمان حيث أوصى لقمان الحكيم ابنه بوصايا جمعت بين أصول العقيدة، والشريعة، والأخلاق، وتعظيم قدرة الله -تعالى- ونفاذ إرادته في خلقه، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكر، والصبر على ما نزل به من مصائب، والاتِّصاف بلِين الجانب، والابتعاد عن التكبُّر، والتحدُّث إلى الناس بلُطف، مع خفض الصوت، والابتعاد عن الغلظة في الكلام.

             - الخلاصة " الخاتمة ":

فكلما ارتقى مقامك عند الله تحاسب نفسك أشد الحساب، لعلَّ هذه الابتسامة كان فيها سُخرية، لعل هذه الكلمة فيها اعتزاز، لعل هذا التصرُّف جرح شعور فلان، لعل عدم تلبية هذه الدعوة انكمش لها فلان، فالمؤمن يتقلَّب في اليوم الواحد بأربعين حالاً ؛ بين أنَّه يرضى، بين أنه لا يرضى عن نفسه، بين أنه يستبشر، بين أنه يخاف، فإن هذا الوضع الحريص على رضاء الله، والحريص على طاعة الله، والحريص على استقامته مع الله، هذا الحرص الشديد يجعله بحالة محاسبةٍ نفسيةٍ شديدة، هذا الذي يُحاسب نفسه حساباً عسيراً أثنى الله عليه قال:

﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)﴾
علامة حياة قلبك حسابك لنفسك محاسبة شديدة:
 ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ )).
 ( من صحيح مسلم:عن أبي هريرة)

          إيَّاكم، ثم إياكم، ثم إياكم أن تأخذوا هذا الحديث على ظاهره، المعنى الدقيق والعميق الذي أراده النبي من هذا الحديث: أنَّك إن لم تشعر بذنبك فأنت ميِّت، والدليل: اذهب إلى إنسان مات حديثاً وأمسك بسكين واجرحه، فلا يتألم ولا يصيح، ولا يسحب يده، ولا يعترض، ولا يلومك.

                 """ أنتهى البحث """"

- المراجع العلمية:
  ١- قائمة المصادر والمراجع:
    ١-١)- قائمة المصادر العربية:
          ١- مقالة عن أنواع النفس البشرية.
   الباحث: عبدالحكيم علي محمد الناشري

     ٢- ما هي النفس في الاسلام - مكتبة النت - كتابة مريم العريني - آخر تحديث: ١٥:١٢ ، ٣ يناير ٢٠١٩ م
    ٣- أنواع النفس - مكتبة النت
         كتابة إبراهيم أبو غزالة - آخر
     تحديث: ٠٥:٠٧ ، ٧ أغسطس ٢٠١٧م.
    ٤- فن اللامبالاة وعلاقتها الجدلية في فن الحوار.
  الباحث - عبدالحكيم علي محمد الناشري

    ١-٢)- قائمة المصادر الأجنبية:  لا يوجد. 
                                  
              مع خالص تحياتي                        
                    إعداد:
                    دكتور
     عبدالحكيم علي محمد الناشري
                 ٧ يناير ٢٠٢١م
           ٢٣ جماد ثاني ١٤٤٢ م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق