الاثنين، 28 فبراير 2022

من ‏قصص ‏الطفولة ‏☆☆☆بقلم ‏د.صالح ‏العطوان ‏الحيالي

من قصص الطفولة
------- د.صالح العطوان الحيالي 
كنت صغيرا ودخلت مرحلة المراهقة فبدأت اتصرف تصرفات لا اعرف نتيجتها وقيمتها المعنوية للاب والأم لاني لا زلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أمي وهي  جالسة على سرير خشبي مصنوع من جريد النخيل  وحدها ليلا، فى ضوء فانوس خافت، دون أن تبدو مشغولة بشيء على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة لأنها لا تجيدهما اصلا ، ولا الاستماع إلى راديو لأنه غير موجود على الإطلاق في الوقت الذي كنا نعيشه وهو في خمسينيات القرن الماضي ، وقد رجعت أنا لتوي من سهرة على السدة مع بعض الأصدقاء.
أحيي أمي فترد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى سريري وفى نيتى أن أشرع فورا فى النوم، بينما هي تحاول استبقائي بأي عذر هروبا من وحدتها، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع. تسألنى أين كنت فأجيبها، وعمن كان معى فأخبرها،   وهي يأمل فى عكس هذا بالضبط. فإذا طلبت منى أن أحكى لها موضوع الحديث بيننا شعرت بضيق، و كأنها تطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أمي بضع دقائق. لا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذى كثيرا ما يشعر به شاب صغير إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدى منتهى التسامح وسعة الصدر مع زميل أو صديق له فى مثل سنه مهما كانت سخافته وقلة شأنه. هل هو الخوف المستطير من فقدان الحرية والاستقلال، وتصور أى تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه وكأنه محاوله للتدخل فى شئونه الخاصة أو تقييد لحريته؟ لقد لاحظت أحيانا مثل هذا التبرم من أولادى واحفادي  أنا عندما أكون فى موقف مثل موقف أمي الذى وصفته حالا، وإن كنت أحاول أن أتجنب هذا الموقف بقدر الإمكان لما أتذكره من شعورى بالتبرم و التأفف من مطالب أمي . ولكنى كنت أقول لنفسى إذا إضطررت إلى ذلك “إنى لا أرغب فى أكثر من الاطمئنان على احفادي  هذا، أو فى أن أعبر لهم عن اهتمامى بأحوالهم ومشاعرهم، فلماذا يعتبر هذا السلوك الذى لا باعث له إلا الحب، و كأنه اعتداء على حريته واستقلاله؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق