د.غالب القرالة
رأي في الشعر العربي الحديث –ج14--
الشاعر العراقي احمد الصافي النجفي
حياته 1897 - 1977 ولد شاعر العراق الكبير " احمد الصافي النجفي " في مدينة النجف الأشرف 1897 تنحدر أصوله من اسرة علمية دينية مرموقة يتصل نسبها بالإمام موسى الكاظم
أحمد الصافي النجفي.. الطائر الذي أحسن الغناء 2
كتب الاستاذ زهير الدجيلي – المرايا –واصفا الشاعر بقوله :
ولد الشاعر احمد الصافي النجفي في اسرة نجفية موسوية يرجع نسبها الى الامام موسى الكاظم من جهة أبيه من آل عبد العزيز. وكان جده لأمه الشيخ محمد حسين الكاظمي من آل معتوق في صور بلبنان. كانت ولادته في النجف عام 1896 م. توفي والداه وعمره 11 سنة بمرض الهيضة الذي اجتاح العراق عام 1907. بدأ التعليم في الكتاب منذ الخامسة وحين بلغ الثالثة عشرة اخذ يدرس قواعد اللغة العربية والمنطق وعلم الكلام والمعاني والبيان والأصول والفقه على ايدي اساتذة علماء في النجف امثال الشيخ محمد حسن المظفر والسيد حسين الحمامي وغيرهم.
كان ضعيف البنية عرضة للمرض. ومنعه الأطباء من الاجهاد في الدراسة. فانقطع عنها وهو يقترب من الثامنة عشرة فانصرف الى قراءة الأدب والشعر ومتابعة ماينشر في مجلات ذاك الزمن مثل المقتطف والهلال.
يقول في مذكراته: انه ترك النجف مع رفيق له عام 1916 قاصدا البصرة للعمل. واخترقا خطوط الحرب انذاك حيث كانت القوات البريطانية تحتل العراق من جهة البصرة وتخوض الحرب ضد القوات العثمانية. ولم يوفق في العمل بالبصرة فانتقل الى عبادان ومن ثم الكويت. ركب سفينة شراعية متجهة الى الكويت، ليس له احد فيها.
رغب العمل في احد المخازن في فرضة الكويت على البحر لكنهم لم يقبلوه لضعف بنيته وهزال جسمه. فرغب ان يعمل بناء. وخرج مع عمال البناء وعمل ليوم واحد قال انه وقع بعد انتهاء اليوم ميتا من شدة التعب. فترك العمل قبل ان يستلم الأجرة وايقن ان مهنة البناء التي ظن انها تناسبه مهنة شاقة ليس لدية القدرة عليها، وظل في الكويت اياما سافر بعدها الى ميناء بوشهر، وكان سفره مغامرة كبيرة حيث كانت الحرب دائرة في الخليج آنذاك. وغرق الزورق الشراعي الذي كان فيه ويقول: «تعرضت للغرق في الخليج ولولا صندوق شاي كان معنا في الزورق تعلقت به فكان سبب انقاذي».
عودة .. ورحيل
ومن بوشهر الى شيراز مشيا على قدميه اصيب بالتيفوئيد، وبعد تسعة اشهر من المعاناة والغربة عاد الى النجف وكانت ثورة العشرين ضد بريطانيا على وشك الاندلاع فشارك فيها وكان واحدا من شعرائها. فتعرض لملاحقة البريطانيين وسجن اخوه وهرب هو من العراق قاصدا ايران.
وفي ايران انكب على دراسة اللغة الفارسية ومطالعة الأدب الفارسي وترجم الكثير من روائعه ومنها رباعيات الخيام ودواوين جلال الدين الرومي وسعدي وحافظ وغيرهم. وعمل في الصحافة والترجمة ثم عاد الى العراق بعد ثماني سنوات واتصل بمجالس الأدب وبشعراء العراق الكبار الرصافي والزهاوي وغيرهم. ورشح قاضيا في محاكم الناصرية لكن المرض اشتد عليه فنصحه الأطباء بالرحيل الى سوريا ومن ثم لبنان. وعاش متنقلا بين سوريا ولبنان، ولما احتل الأنكليز بيروت عام 1941 اثناء الحرب العالمية الثانية قبضوا عليه وقضى شهرا ونصف الشهر في السجن خرج وقد كتب ديوان شعره الذي يحمل عنوان «حصاد السجن» وله اثنا عشر ديوانا شعريا من روائع الشعر العربي والعديد من الدواوين المترجمة عن شعراء آخرين.
حصاد السنوات
ورغم شدة الأمراض التي توالت عليه فان الصافي النجفي تحملها حتى تجاوز السبعين، وكانت حصيلة حياته اربع كلمات: الغربة والحنين للوطن والشعر الدافق كالنهر. واصيب الصافي برصاصات في الحرب اللبنانية في شباط عام 1976 نقل على اثرها للعراق ليعالج هناك ويقضي فترة النقاهة بعد ان اخرجوا الرصاصات من صدره، وتعافى لكنه مات بعد فترة وجيزة عام 1977.
وكان آخر ماكتبه الصافي النجفي من قصيد على لسان الزعيم اللبناني صائب سلام عند بلوغه السبعين عام 1975:
سنـيّ بـروحي لا بعـدّ. سـنين.
فلأسخرنّ غداً من التسعين
عمري من السبعين يركض مسرعا
والروح ثابتةٌ على العشرين.
ومن اشعاره :
بين الروح والعمر
الان في السبعين ، لكن لم تزل **روحي كما لوكانت في العشريني
لم اشك الا من عوارض صحة ** ومن افتقاد مصاحب وخدين
لا الشيب اقبلهم رفاقا ، حيث لا** بالروح احكيهم ولا بفنون
وكذا الشباب تفرعني جفلا ** من شيب شعر فافضح وغضون
ياليت جسمي مثل روحي ، لم يزل **غضاً لالقى في الشباب قريني
او ان تشيخ الروح مني دفعة ** لتطيق رؤية اوجه السبعيني
هذا التناقض اصل كل مشاكلي ** هذا التناقض سر كل شجوني
قد صرت في السبعين ،لكن لا ارى** فرقاً، كاني الان في العشريني
أحمد الصافي النجفي.. الطائر الذي أحسن الغناء 1
زهير الدجيلي - المرايا
قد يكون احسن وصف يصف به شاعر نفسه ما قاله الصافي النجفي:
يرومُ زيارتي عشاقُ شعري
فلا يجدونَ لي في الأرض.. دارا
تراني كالنسيم. اطوفُ حرّ اً
فلست ولا النسيم نرى قرارا
فزوروني بأنفاس.. الخُزامى
وزوروني بآهات. العـذارى
ويقول عن نفسه :
سَموتُ بشعري فوقَ جيلي ولم يزل
يشكُّ بشعري معشرُ البلهاء.
فان لم أكن في امة. الشعر. واحداً
أكن أمةٍ اعلى من الشعراء.
كتب عنه الأديب والمؤرخ العراقي مير بصري يقول:
ان سيرة أحمد الصافي النجفي هي شعره، والصافي شاعر اصيل انصرف الى الشعر وعاش له وعرف به، وقد آثر الحرية والانطلاق من القيود، وعاف المجاملات والتقاليد الا جتماعية، ارهفت حسه الأمراض التي ركبت بدنه وأضنت جسمه. وداهمته الخطوب وهدته المصائب فأوحت اليه ارق الشعر وأروعه:
سأشكرُ للدهر. الخؤون. خطوبَه
وان كدتُ منها افقدُ الرشدَ والصبرا
فانَ خطوب. الدهر. أذكت بصيرتي
وان خطوبَ الدهر. أوحت لي الشعرا
وكم من مصاب حلَّ بي فحسبتهُ
سيفقدني روحـي ويُسـكنني القبرا
فمازال يغلي بي حتى تفجّرت
ينابيعُ شعـري منه واندفقت نهرا
ولكنه نهرٌ من النار. سائلٌ
تثورُ به أمواجُه شعلا حمرا
امين الريحاني والصافي
ووفق ما ماروى مير بصري عن سيرة النجفي الصافي: ان أمين الريحاني قال عنه في كتابه «قلب العراق»: ان هذا الشاعر رأى نور الشمس يوم كان الحسن الخلقي والصحة والنعمة تتنزه كلها في الكون الأعلى، فما رمقته بنظرة ساعة الولادة، ولا دنت بعد ذلك من ملعبه او من رحله او من كوخه، انه لطير غريب يحسن الطيران والغناء ولا يحسن سواهما.
كان الريحاني يشير بقوله هذا الى عذابات الشاعر في حياته. من مرضه ووهن جسمه. وغربته وتجواله الدائم في بلدان شتى. لكن روحه كانت قوية، دافقة بالحب والشعر.. ثابتة الخطى يحملها بهمومها كلها على كتفيه:
أسير بجسم يشبه جسمَ ميّتٍ
كأنيّ اذا امشي به حامل نعشي
شاعر الفقراء البائسين
قالوا عنه انه شاعر الفقراء البائسين والباعة الجوالين والكادحين والقرويين والمرضى والمشردين وعامة الناس الذين يلقاهم على الطرقات فيرسم صور احوالهم في شعره، كأنه يروي قصص هؤلاء الحيارى في زمانهم شعرا في قصائد تثير الرحمة والاخاء الانساني. كانت انسانيته تتفجر شعرا حتى على الحيوان، وكان شعره يزخر بالرحمة والحنان على كل شيء.
عرف الغربة بكل انواعها وتجرع غصصها وحمل آلامها، ورنا الى الوطن من بعيد وهفا قلبه اليه. لكنه مثل ذلك العطشان الذي يهفو الى سراب من بعيد:
حتام. أقضي ثمينَ العمر مغتـرباً
كأنني ليس. لي مثل الورى وطن ٌ
فمن رآني. أطوي الأرض. منتقلا
يـقول ماليَ لا أهل ولا سكنٌ
لم يرض بي وطني.. لم يرضَ بي وطن ٌ
فهل ترى يرتضيني القبرُ والكفنُ؟
السبت، 27 يوليو 2019
رأي في الشعر العربي الحديث ج 14/ بقلم د.غالب القرالة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق