د.غالب القرالة
الشعر السياسي
كان نَظمُ الشعر منذ العصر الجاهليّ وحتى العصور اللاحقة يسيرُ على نهج وأسلوبٍ واحد، فقد كان الشاعر يَنظمُ قصيدتَه على نظام الشطر الواحد والقافية الموحدة منذ بداية القصيدة، وحتى نهايتها فتخرج متماسكة الأفكار والأبيات، إلى أنْ جاء العصر الحديث، حيثُ ظهر عددٌ من الشعراء الذين رأوا أنَّ الحياة العصريّة بما فيها من تطور فكريّ، واجتماعيّ، وحتى سياسيّ تستدعي وجود شعر يستوعب هذا التطور والحداثة، ويُلائم العقول الفكريّة الحديثة الشابة الشعر يعرّف الشعر على أنه كلامٌ موزونٌ مقفّى، دالٌ على المعنى، ويكون غالباً أكثر من بيت، وهناك تعريفٌ آخر لمفهوم الشعر:
وهو الكلام الذي قصد من تقفيته ووزنه قصداً أوليّاً، أما ما أتى منه عفو الخاطر من كلمات لم يُقصد بها شعراً فلا يقال لها شعراً، حتى وإن كانت موزونة. أما التعريف الذي ذكره ابن خلدون للشعر، حيث قال في معناه:
"هو كلامٌ مفصّلٌ قطعاً قطعاً متساويةٌ في وزنها، متّحدةً في الحرف الأخير من كلِّ قطعة، وتسمّى كلُّ قطعةٍ من هذه القطعات عندهم بيتاً، ويسمّى الحرف الأخير الذي تتفق فيه قافيةً، ويسمّى جملةً الكلام إلى آخره قصيدةً وكلمة، وينفرد كلُّ بيتٍ منه بإفادته في تراكيبه، حتّى إنّه كلامٌ وحده مستقلٌ عن ما قبله وما بعده، وإذا أُفردَ كان تاماً في بابه في مدحٍ أو نسيبٍ أو رثاء".
يعتبر الشعر نوعٌ من أنواع الفنون الأدبية في اللغة، يرتكز على استخدام الصيغ الجمالية والإبداعية في التعبير عن قضيةٍ معينةٍ، ومنه ما يخاطب القلب والروح كالشعر العاطفيّ، وشعر الرثاء، ومنه ما يخاطب العقل والفكر كالشعر السياسي، وفي هذه المقالة سنعرض تعريفاً للشعر السياسيّ، وأنواعه، وخصائصه الفنية، وأمثلة عليه. تعريف الشعر السياسي الشعر السياسيّ هو أحد أنواع الشعر العربيّ، لكنه يتميّز عن باقي أنواع الشعر بتعبيره عن توجّهاتٍ سياسيّةٍ معيّنةٍ، والآراء الشخصيّة للشعراء، مع المحافظة على طريقة كتابة الشعر، وقيم الشعر الأدبيّة والفنية، والشاعر في هذا النوع من الشعر ينتهز موهبته الشعرية وقدرته على كتابة الشعر، في الإفصاح عن آرائه وتوجّهاته، كالدعوة إلى العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، ومهاجمة المحتلّ، والأنظمة الحاكمة التي تستيد بالشعب. أنواع الشعر السياسي للشعر السياسي أنواعٌ معينةٌ، يُعنى كل واحدٍ من هذه الأنواع بموضوعٍ معيّن، ومن هذه الأنواع:
الشعر التحرّري:
هو الشعر الذي ظهر مع انتشار الحركات التحررية في البلاد العربية، فيتغنّى بتلك الحركات، ويعبّر عن أهدافها، ويوضح مبادئها التي تدعو لها، ويدافع عنها، وقد ظهر هذا النوع من الشعر السياسيّ في بداية القرن الماضي.
الشعر الوطني:
أصحاب هذا النوع من الشعر يكتبون في التغنّي بأوطانهم، والتعبير عن حبّهم لبلادهم.
الشعر السياسي:
هو الشعر الذي يقتصر فقط على تناول السياسة القائمة في بلدٍ ما.
خصائص الشعر السياسيّ
للشعر السياسي خصائصٌ معيّنةٌ تميزه عن باقي أنواع الشعر المعروفة، ومن هذه الخصائص:
الخصائص الموضوعية:
ارتباط موضوع القصيدة بأحداثٍ تاريخيّةٍ عامة.
تعلق الموضوع بشكلٍ أساسيٍّ بالسياسة.
ربط الحدث السياسي القائم بأحداثٍ تاريخيةٍ، وإظهار البعد الدينيّ له.
إبراز موقف الشاعر، وانتمائه السياسيّ.
الخصائص الأسلوبيّة:
استخدام التعبير المباشر المعتمد على الذكر الحسيّ.
تضمين القصيدة بعض الألفاظ الإسلاميّة الناتجة عن تجدّد العهد.
استخدام الاستعارة والتشابيه والكنايات في القصيدة.
الاقتداء بالشعراء الجاهليين في اختيار الألفاظ.
مضامين الشعر السياسيّ
التحدّث عن نظام الحكم السائد في دولةٍ ما، من حيث كونه عادلاً أو ظالماً، فإذا كان عادلاً يتمّ مدحه والإشادة به، وإن كان ظالماً أو فاسداً يلقى هجوماً عنيفاً من خلال الشعر.
مهاجمة الاحتلال والاستعمار، والتنديد بجرائمه، والدعوة إلى مقاومته والتخلص منه.
التغني بالحرية والنصر، وتصوير الحالة التي ستصبح عليها البلاد بعد التخلّص من الاستعمار.
الدعوة إلى التخلّص من الحكم الملكي المتوارث، واللجوء إلى الحكم الدستوي، الذي يتم وضع بنوده من قبل تصويت الشعب.
مدح الأبطال والحكماء الوطنيين والثوريين، ورثاء الشهداء، والتغنّي ببطولات الأسرى والجرحى.
حث الشعب على التخلص من الظلم والاستبداد، والثورة حتى تحقيق الأهداف والمطالب. استخدام الأساليب الحماسية، مثل النداء، الأمر.
تسجيل الأحداث التي تمرّ بها البلاد.
أمثلة على الشعر السياسي
يعتبر أحمد مطر من أبرز الشعراء السياسيين الذين هاجموا الأنظمة العربية، ووصفها بالأنظمة الفاسدة، والظالمة والمستبدة، وله أبياتٌ شعريةٌ كثيرةٌ في هذا الاتجاه منها:
أكثرُ الأشياءِ في بلدتنا الأحزابُ والفقرُ وحالاتُ الطّلاقِ.
عِندَنا عشرَةُ أحزابٍ ونِصفُ الحِزبِ في كُلِّ زُقاقِ!
كُلُّها يسعى إلى نبْذِ الشِّقاقِ!
كُلّها يَنشَقُّ في السّاعةِ شَقّينِ
ويَنشَقُّ على الشَّقّينِ شَقَّانِ
وَيَنشقّانِ عن شَقّيهِما ..
من أجلِ تحقيقِ الوِفاقِ!
جَمَراتٌ تَتهاوى شَرَراً
والبَرْدُ باقِ ثُمّ لا يبقى لها إلاّ رمادُ الاحتِراقِ!
وقول لابي مهند القمري :
قد صاغوا بخبثهم معالم جديدة للتعاملات التجارية
استبيحت على إثرها الخيانة!!
وصار الكذب من مقتضيات الأمانة!!
وفي خضم هذه الهوة السحيقة من الانهيار
ذابت المبادئ وانعدم مفهوم الحلال والحرام من الأذهان!!
فتلاطمت بي أمواج الفتن تتقاذفني ذات اليمين وذات الشمال
وإذا ببريق النور قد أخذ يخبو في قلبي!!
وكأن لسان حاله يساءلني قائلاً :
هل بعد هذا العلو من دنو؟!
هل ارتضيت لنفسك كل هذه الألوان من الذل؟!
إن ما تعايشه من ألوان الغفلة . . يسرق عمرك كلمح البصر!!
ويجرعك الوهم . . ليورثك عذاب السُعر!!
فهل استبدلت الذي هو أدنى . . بالذي هو خير؟!
أين دمعاتك في سجادات السحر؟!
أين خوفك من جحيم الشرر؟!
أين تعلُّق قلبك بخالق القضاء والقدر؟!
أين أشواقك إلى جناتٍ ونهر . . في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر؟!
هلا تداركت نفسك . . قبل ضياع الوقت، وفوات العمر ؟!
فسألته والنفس تخفق وجلاً مما تطويه خفايا القدر:
وهل يقبل الله توبة عبد مثلي . .
هام على وجهه بين مزابل الدنيا يرجو النفع من البشر؟!
وهل يغفر الله لي ما قد أوقعت نفسي فيه من الشرر؟!
هل تعود إلى قلبي أيها النور يوماً فتبدد ما أصابه من غفلة وغرر؟!
فتلألأت أشعته في قلبي من جديد وقال مبتسماً :
آن لك الآن أن تنفض عن نفسك غبار الغفلة قائلاً :
إلى النور .. هلُمّ قلبي
وقول للشاعر ابو محمد :
اعرف انه هناك غني وفقير
واعرف انه هناك عبد وامير
لاغير زيد وعمرو بها جدير
اصبحت سلالة وزير بن وزير
افرحي ياوضحى الاسعار مابها تغيير
مكانك قف مع وقف التعمير
السماءصافية والغيم قريب يسير
تلبدت ويقص جنحان من يطير
تميزت الاقوام وبينها طويل وقصير
وبين البشراصبح عبد وشريف وامير
ناقص علينا مثل نبينا محمد بشير
من الله وهوعلى كل شيئ قدير
الناس ميته ذهب زيد جت غدير
ماتت فضه وفضيه و عاشت سهير
واعلم انه بينهم عبد وقصير
بيت الشعر ينادي ويقول ما المصير
عمار على القبايل شمروهايل وعسير
يكفينا شرب الما بلا تقطير
والشوق للسيارات ونعود لركوب الحمير
ونعود للقديم عمار عليك يابعير
وبيت الشعر واكل خبز الذرة والشعير
والصاج والطابون ومية الغدير
ارحم والله من حضارة بوش الحقير
وقول للشاعر الكبير عامر زردة :
حافظ المجرم وابنه
ضحكَ السفيهُ فأضحكَ الأفذاذا
وبفعلهِ أضحى لهمْ أستاذا
يحكي مشاهِد ضَعْفه بصفاقةٍ
منها يرى إذلالهُ اسْتحواذا
مُتفلسفا ًمن غير ِعلم ٍ
واثقا أنْ في مرارة ِقوله ِآزاذا
وهمُ رَضوهُ مهرجا ًبجدارةٍ
ومسفهَا لعقولهمْ مَلاذا
ويصفقونَ تفاهة ًلحديثهِ
وحديثهُ لقلوبنا جذاذا
منْ ذا يؤَملُ منْ سفيه ٍتافهٍ
بعدَ الجفاف ِسِقاية ًورَذاذا
وبثينة ٌكانتْ أشد رُجُولة
ماكانَ إلا حاكما قد هاذى
في رأيهَا حلُ تريدُ نفاذهُ
ورجالهُ قد عطلوا الإنفاذا
كنا نؤَملُ أن يكونَ كعَادل ٍ
أنى له ولِحقنا أخاذا
والمجلسُ المشؤُوم ُصارَ مطية
للحاكمينَ منافقا ًشحاذا
ولنا بصِيصُ النورمِنْ (درعا)
التي ثارت على من أعملوا الفولاذا
هذي هي الشَّام ُالمبارَكة ُ
التي ستكون ُقبرَ السائلينَ لماذا?
الأربعاء، 31 يوليو 2019
الشعر السياسي / بقلم د.غالب القرالة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق