د.غالب القرالة
من كواليس الأدب والإبداع ..
أحمد الصافي النجفي في حالة حب يتيمة --ج15-- فصل 2
كتب الاستاذ هاني الخيرعن الشاعر احمد الصافي النجفي بقوله : المدى
لم يكن الشاعر العراقي احمد الصافي النجفي ( 1897-1977) الذي مكث في دمشق زهاء اربعين سنة, نصيراً للمرأة,
او من محبي الدخول الى القفص الذهبي طواعية, ومايليه من انجاب الاولاد, لذلك فان الظلم الشديد ا لذي لحق بالمرأة في اشعاره, كانت له اسباب خفية ينفرد بها الشاعر وحده,عن باقي شعراء عصره.
ومن هذه الاسباب , على حد تعبيره حرفيا ً, انه يريد امرأة يتزوجها على الشروط التالية:
- ان لا تطلب مني مالاً ولا جمالاً ولا كمالاً لأني لا املك شيئاًمنها.
-ان لا تطلب مني صحة لأني مصاب بضعف في القلب, وتضخم في الكبد, وبداء الرمل.
-ان تكون ذات بيت ملك لها لأني لا املك سوى مقهى النصر نهاراً وحجرة في مدرسة الخياطين ليلاً.
- ان لا تكشف وجهها الا امامي وامام وجه الشمس, لأني غيور في الحب اناني في الجمال.
,يعترف الشاعر, في لحظة ضعف , باخفاقه وخيبته في الفوز بقلب المرأة قائلاًَ:
انا احب النساء ولكن النساء وياللأسف لا تحبني ولهن الحق في ذلك , لأني عديم المال ضعيف السم دميم الوجه وقد قلت في هجاء وجهي:
وجهي دميم وقلبي عدو كل دميم
لو كان وجهي يكفي ألقيته في الجحيم
ويضيف الشاعر قائلا:
ولكن الغريب .. هواني في السنة الماضية عام 1937 التقيت بسيدة المانية على غاية من الجمال, وقد طلبت التعرف اليّ بعد ان سمعت باشغالي في مهنة الشعر, وما كدت أقرأ لها ابياتاً من شعري وتسمع ترجمتها, حتى اقبلت عليّ وابدت لي من الحب والعطف ما لم اكن به جديراً , وبالنتيجة احيت في قلبي املاً مات منذ عشرات السنين, وجعلتني اشعر بما شعر به آدم حينما عثر على حواء.
وقد دعاني ذلك الحادث الى التفكير في معرفة سر انعطاف هذه السيدة نحوي دون باقي بنات حواء, وقد اختلفت الآراء في معرفة ذلك السر .. فقال احدهم : ان هذه السيدة من جمعية الرفق بالحيوان?
فقلت له : اني افتخر بهذا الرفق, وقد لقبت نفسي بشاعر الحيوانات ترفعاً عن ان اكون شاعر البشر, ولكن ألم توجد بين نساء الشرق واحدة رقيقة الشعور تعطف على هذا الحيوان الناطق.
وقال آخر بل السر هو ان بعض السيدات الاوروبيات ولوعات بذوي الوجوه الدميمة, وكأنما هنّ قد شبعن من رؤية الوجوه الجميلة.. على اني عندما سألت تلك السيدة عن سر اقبالها عليّ دون باقي الشباب الجميلين الاصحاء, الذين كانوا معي, اجابت بأنها هي شاعرة ايضا وان الرابطة بيننا هي رابطة الشعر والادب.. وقلت في نفسي لا بد ان يكون هناك سبب آخر دعا هذه السيدة الالمانية الى حبي, هو انها تثقفت ثقافة علمية اخلاقية عالية خففت من انانيتها,فأصبحت تسعى في الحياة وراء مثل اعلى واسمى من المال والجمال , وصارت تعطي الامور الروحية قيمتها الكبرى..
وترحل هذه المرأة الى وطنها ويبقى الشاعر وحيداً في غرفته البائسة الآيلة للسقوط , دون ان تؤنس عزلته تلك المرأة الغامضة التي ظهرت في سماء حياته القلقة, ثم اختفت ويناجيها قائلا:
صرت في الحب دخاناً ناسيا عهد لهيبي
وظل شاعرنا الذي اشتهر بنزقه وغرابة اطواره وعاداته اليومية, دون زواج طوال حياته المديدة ,اكراماً لذكرى تلك المرأة الاديبة والمتفهمة لرسالة الادب, التي وجد في شخصيتها المثل الاعلى بالنسبة اليه
مقامي بين فلسفة وشـعر
فأيهما أتـابع لست أدري
فلي روح بظرف أبي نواس
ولكن فـي وقاري كالمعري
يقول محمود عباس العقاد عن الشاعر احمد الصافي النجفي يمثل بحق أشهر شعراء العربية رقة وثورة وإخلاص للقضايا الوطنية والعربية، كما قالت الأديبة المشهورة " مي زيادة " الصافي النجفي شاعر كبير دون منازع يعيد أمجاد الشعر العباسي إلى الأدب العربي المعاصر، ولم يتوقف العقاد عند ذلك المديح بل كتب عنه كراسا أختار فيه نماذج من شعره المتعدد الأغراض وقال فيه" لا يكفي أن يدرس الصافي أديب واحد، وذلك لسعة آفاقه الشعرية وعمق تفكيره وأساليب بنائه للصورة الشعرية وقوة مضامينها، كما قارن نقاد آخرون في مسيرة النجفي والمعري الحياتية والشعرية، وأفادوا أن كلاهما قد عانى من البؤس والفاقة وكلاهما أيضا قد قادته أوضاعه المعيشية ومحيطه البيئوي إلى التمرد ورفض صور التردي، وصفه أحد أقرانه من الأدباء" عندما تجالس الصافي النجفي تحس أنك تجالس الطبيعة الساحرة الطاهرة..
عيني ترى مالا يرون وعينهم
مالا أراه ففي أي عمى
ماذا تهمني الفتوق بمئزري
سيظل عرضي سالما لن يثلما
ما شأن جسمي والرداء فإنني
مهما بي اتصلا غريب عنهما
وله :
اقمت في السجن، و يا بئس السجونُ من مقرْ
في غرفة واطئة تحب في الضيف القصرْ...
و جار ضَب هذه ام قبر جنٍ محتفر
كم رمت منها ان أفرْ و هل من القبر مفر
فهي سواء و الردي و رودها بلا صدر
أرى غربة الانسان سجناً
فكيف في سجن انسان غريب
يزور رهين سجين اهل قرباه
ولكني السجين بلا قريب
أبشر عند فتح الباب نفسي
بأن ستفوز بالفتح المبين
فمن لي أن أرى يأساً مريحاً
يخلصني من الأمل الكذوب
سأقتل حي آمالي سريعاً
وأرجع منه ذا سيف خضيب
فإن لخادع الآمال عقبى
تزيد مرارة القلب الكئيب
يا ذرةً لبناء الكونِ ناسفةً --هل تستطيعين نسف الحرصِ و الطمعِ
قد انفجرت فزلزلت الوجود بنا-- هلاّ انفجرت لنا في رأسِ مخترعِ
فك الكهاربِ من دنياك محكمةٌ-- أخف من فك ما في النفسِ من جِشَعِ
يا ذرةَ العقلِ في دنيا الوري انفجري --و حطمي عالم الأوهامِ و البِدعِ
هذي قيامتُنا الصغري قد ابتدأت-- فهل قيامتُنا الكبري علي التَبعِ
عجبت للعقلِ من سرِّ الإله دنا-- و الخُلقُ مازال خلقَ النمرِ و الضَبعِ
عجبت للناسِ يدعي كلُّهم بشراً و ذا ملاك و ذا يبدو كشيطانِ
هذا يرقُّ لذي بؤسٍ فيطعمه و ذاك يسلب خبزَ البائسِ العاني
احاولُ السب للإنسانِ من رجلٍ موذ فيسكتُني إحسانُ إنسانِ
حتي حسبت و فعلُ الناسِ مختلف إحسانُ ذلك تكفيراً عن الثاني
سبحان من ابدع الوجود لنا ---من كل شكل زاه ومن لون
من يبتدع الة نعظمه --- فكيف قل لي بمبدع الكون ؟
الاثنين، 29 يوليو 2019
من كواليس الأدب والإبداع / بقلم د.غالب القرالة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق