الأستاذ والطالبة
عنوان الحلقة (الفداء)
28.8.2020
عندما ودعت سميرة أهلها في مطار دمشق الدولي، كادت أمها تنهار من شدة الانفعال، كيف سمحت سميرة لذاتها أن تترك كل شيء في سورية، أهلها، حبيبها، كل اصدقائها، كل وطنها... لتذهب الى وطن جديد، وأي وطن هذا الذي ستذهب اليه؟ الى عالم البحار، حيث السمك هم المواطنون الأصليون، والسفينة تعبر في ديار البحريات التي لا تحصى أنواعها ولا أشكالها...
وما الذي يدفع سميرة الى هذه الحياة الصعبة المعقدة الخطرة، تعيش غريبة، لا وطن لها، وليس لها حتى وسادة تنام عليها...
قالت سميرة لأمها: أمي أرجوك إذا اردت سعادتي، وإذا كنت تحبينني دعيني أسافر وأنا سعيدة غير حزينة...
استقبل سميرة في مطار أورلي في باريس، ضابطان قدما ذاتيهما بأنهما مرسلان لاستقبال طالبة البحرية السورية...
لاحظت سميرة نجوم وميداليات عديدة معلقة على صدريهما مما جعلها تدرك بأنهما ذوي رتب عالية في القيادة البحرية...
قال أحدهما أنا مساعد الكابتن، وهذا جوني مساعدي الذي سيكون استاذك على ظهر السفينة. الليلة سنستقبلك في الفندق في القسم المخصص للضباط البحريين. وغداً سنستقل الطائرة الى مرسيليا الى السفينة منزلك الدائم...
دخلت سميرة الى غرفتها في الفندق الضخم، أحد فنادق الدرجة الأولى، وكان أول ما فعلته هو الاتصال باهلها وطمأنتهم عن حالها...
في المساء اتصل بها الضابط جوني حتى تنزل الى المطعم لتناول العشاء، وقال يوجد برنامج رقص إذا كانت تحب المشاركة...
لا تسألوني أصدقائي عن فخامة المطعم، ولا عن نوعيات الأطعمة الموجودة على الموائد المفتوحة بسخاء غريب، ونوعيات لا حدود لها...
الذي قاله جوني بأن سميرة هي أول انسانة تدخل السفينة لتعمل على متنها موظفة قيادية مع القادة الضباط والكابتن قبل أن تنهي الدراسات النظرية في الجامعة.
وقال يبدو إن أصحاب السفينة التي راسلتهم اعجبوا بك وأحبوا أن تكون دراستك مباشرة على ظهر السفينة، وقد خصصوا لي ساعات لتعليمك كافة الدروس النظرية، وهذا قد يحتاج دراسة ثلاث أو اربع سنوات حتى تصبحين معاونة كابتن السفينة...
وهنا اغرورقت الدموع في عينيها عندما تذكرت بانها كانت معاونة سائق الباص، والآن ستصبح معاونة كابتن السفينة...
لم تستطع أن تنهي عشاءها مع الضابطين، اعتذرت
وصعدت الى غرفتها، وانتابتها حالة من البكاء والنحيب وهي تتذكر كلمات استاذها سمير وهو يناديها بتلك الصفة التي لا أحد يعرفها غيره (معاونة الباص)...
بعدها شدة قوة من ضعف ودخلت تستحم بحمام يشبه حمامات القصور، اجنحة الفندق هذه المخصصة لضباط شركة الملاحة البحرية الفرنسية...
كانت تستحم وهي تقول لا بد لي أن أحرق حبي فوق حطبات إبراهيم الخليل، إذا اردت الوصول لتحقيق ذاتي، لا بد لي من الفداء، لا بد لي من عذاب، وتعب، وسهر، إذا أردت أن امتطي الشهب، وأبحر مع السحاب حتى أصل الى النجوم وأعشق القمر...
سمير هو حبيب حياتي، حبه لن يغادرني اطلاقاً، ولكن لن افرض عليه أن يقبل بشروطي، أنا قلت له الكلمة التي اضحكته (يفتح الله).
أنا لم أعده يوما بأنني أقبل أن أكون شريكة حياته، لأنني مصممة أن أواصل الطريق لهدفي، هدفي هو عشيقي، الذي تركت كل شيء في عالمي لأعيش هنا مع الأسماك، والعالم المجهول، حتى أحقق حلمي البعيد...سأكون كاتبة، سأعاني حتى أصل الى هدفي وأحقق احلامي، غير ذلك سأكون مجرد إنسانة عادية...
لن اتزوج من الرجل الذي أحبه، أنا أعشقه، لكن لست راغبة أن أكون ربة منزل حالياً، أنا هدفي في الحياة مختلف، أنا أحرقت حبي ثمناً فداءً للمثابرة وتحقيق أهدافي...
أنا رفضت حبي الكبير حتى أصل الى الحلم الصعب...
حلمي رسمته من سنوات، لن أحيد عنه، قد لا أصل، ولكنني سأتابع المشوار...
استيقظت صباحاً على الهاتف كان استاذها جوني يناديها على الفطور حتى يذهبوا جميعاً الى المطار والى مرسيليا...
بقلمي: عبده داود
الى اللقاء بالحلقة السادسة 6
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق