أنا أو البحر
( الأستاذ والطالبة)
الجزء 4
أعاد الأستاذ سمير قراءة رسالة سميرة مرات ومرات...
كم كانت الرسالة تفرح قلبه، لأنه أحس بصدق مشاعر الحب الكبير الذي كان يملأ السطور وجميع الحروف...
وكان عليه أن يأخذ القرار، هل يقول نعم سأنتظر، أم يقول لا، ويخسر حباً كبيراً ملأ كيانه...
وبعد مداولة، أخيرا أخذ موقفاً وكتب...
أنت تعرفين بأنني أنتظرك العمر كاملاً، أنا لا امزح في هذه الأمر، وإذا قلت لك سأنتظرك، هذا يعني سأنتظرك...
ولكن أرجوك أن تفهميني وتقدري صراحتي:
أنت أحضرت مثالاً بليغا هو رجل الله إبراهيم الخليل... ونعم الشاهد والشهادة...
لكن دعيني أناقش معك هذا الأمر بهدوء، على ضوء هذه الواقعة التي وردت في كتب الديانات السماوية وارجوك أن تسامحيني، ولا تعتبري جوابي انقاص من طموحك الذي أنا اثمنه كثيراً.
إبراهيم الخليل كان يريد الفداء بأعز ما يملك في الدنيا، أبنه الوحيد حتى يكتسب محبة الله، الله الذي أراد أن يعطينا درساَ في محبته، ويفهمنا بأن من يريد أن يكسب الخالق، عليه بالفداء بكل حب آخر يملأ قلبه...
وحسب هذه الواقعة، التي تتكرر الآن معنا أنا وأنت، التضحية بالبحر هنا هو الفداء من أجل أن تكتسبي حباً تقولين إنه بحجم السفينة الكبيرة...
أنا أقدر لك حبك الكبير للبحر، وحبك الكبير لي...
إذن انت قدمتي حبك الذي هو أنا، فداء على مذبح الحب بغية التمسك بحب أكبر ألا وهو البحر...
ولو كان حبك لي أكبر من حبك للبحر، لكان الأمر انعكس، كنت ستتناسين البحر، حتى تحصلين على حبيبك...
الذي يبدو لي الآن أنت لا تريدين التضحية لا بالبحر، ولا بحبك، وتريدين الاحتفاظ بكلينا نحن الاثنين...أنا والبحر... ليس غلط في هذا، لكن اسمحي لي ابداء الرأي حول هذا الأمر بشفافية.
لو انت اخترت سمير بدل البحر، ماذا كان سيحدث؟ أنت ستكونين معي أستاذة مساعدة في الجامعة، وربما تكملين دراستك وتصبحين دكتوره استاذه جامعية... وكونك في الجامعة هذا يوفر لك مصدرا كبيرا من الكتب التي تسعد قلبك وتوفر لك كافة المعلومات التي تودين الحصول عليها، غير ذلك أنا اوعدك بأن نزور الموانئ التي تحبين زيارتها،
سنذهب بكل فرصة إلى الدولة التي تختارينها...
وهذا كاف لتوسيع معارفك وسوف تتمكنين من تأليف الكتب التي تحبينها، وأنا أعدك بأن جميع مؤلفاتك سأطبعها لك...
لكن الذي لا أحبه منك هو عدم حبك إنجاب الأولاد حتى لا يعثرونك عن المطالعة وتأليف الكتب...
أنا أحب الأولاد ولن اجعلهم فداء لحبي، أنا اعتبر أولادنا جزء منا لا يتجزأ، لأننا أنا وأنت والأولاد جسداً واحداً بكل المعاني...
الأولاد سيكونون سر سعادتنا وغاية ارتباطنا...
عندما نربي أولادنا بشكل سليم، نقوم نحن بتقدس سر الزواج، الأولاد هم ثمرات حبنا، وليسوا عبئاً علينا
وبقدر ما ننجح في تربية أولادنا بقدر ما نكون قد خدمنا ربنا، وهذه الخدمة لأولادنا هي صلاة حقيقية فعلية، حتى هي أهم من المكوث بدور العبادة أي كانت...
تربية أولانا حتى يكونوا ناساً صالحين في مجتمعاتهم هي أهم رسائل الحياة...
أنا لا أطلب منك أن تتراجعي عن حبك للبحر، ولكن أطلب منك إعادة التفكير في ترتيب افكارك، وتختارين من كبش الفداء الذي يجب أن تضعيه على المحرقة: أنا أم البحر...
إذا انت اخترت البحر لا الومك البتة، هذا حبك المتجذر بأعماقك منذ أمد...
اما إذا اخترت الحبيب وتضحين بالبحر، عندها أنا سأكون في انتظارك حتى تعودي لنتزوج ونبدأ حياتنا...
وستكون سنوات عسلنا على متن سفينة الحب... وسنجوب الشواطئ التي تحبين زيارتها
ستكونين ملكة من الملكات المسافرات، التي يخدمنها جميع طاقم السفينة بما فيهم كابتن السفينة بذاته...
وهكذا يأتي الاختيار الصعب
هل ستختارين البحر ويكون سمير هو الفداء؟
أم ستختارين سمير ويكون البحر هو الفداء؟
أرجو أن تفكري في هذين الخيارين بروية، حتى يتم اختيارك المبني على العقل والعاطفة...
في حال اخترت البحر...اتمنى لك كل السعادة من كل قلبي، ولا تظني بانني لن أنتظرك، بل سأفعل لأن الفداء الذي سأفعله أنا هو الانتظار مدة خمسة عشر عاما حتى أربحك. وهذا هو الفداء الذي سيؤكد لك حبي الذي سأقدمه أنا على مذبح الحب...
لكن الذي يجعلني يخوفني هو شرطك عدم الخلفة، هذا يجعلني اضع الحب على محرقة إبراهيم الخليل...لأربح خلفة انسانة غيرك...
كتب الأستاذ سمير الرسالة، لكن قبل أن يرسلها فكر بأن هذه الرسالة قد تكون الحد الفاصل القطعي في الاختيار بيني، وبين البحر...
سيكون الأمر شبه قسري على سميرة في أخذ القرار...
قد تختارني أنا، وتعود الى سورية ونتزوج ونعيش حياتنا كباقي البشر، وقد نكون سعداء، لكن الذي لن يغيب من حياتها هو البحر، سيبقى البحر هو الحلم الذي عاش طويلاً في أفكار سميرة أنا الذي حرمتها منه وهو لن يبارح حياتها طيلة العمر...
وايضاً إذا اختارت البحر، سأبقى أنا سر تعاستها طيلة العمر...
بقيت الرسالة في قسم المحفوظات في الكومبيوتر (اللاب توب) ولم يرسلها الأستاذ وهو يفكر في كل كلمة كتبها ولا يدري ما الذي سيفعله...
بماذا تنصحوه أنتم أصدقائي الذين تقرؤون قصتي. التي سأسميها من الآن وصاعداً (أنا أو البحر) عوضاُ عن (الأستاذ والطالبة)...
لا شك الأستاذ سمير كان أيضاً أمام خيار صعب
ماذا يقول الى سميرة...
هل سينتظر سميرة خمسة عشرة سنة أم سيقول لها تلك الكلمة التي تعلمها منها هي: (يفتح الله) ...
بقلمي: عبده داود
الى اللقاء في الحلقة القادمة 5
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق