الموت جميل ولا اجمل منه
كريم وهاب عبيد العيدان
لم تكن تلك السماء زرقاء كالتي عشت ردحا من الزمن تحت سقفها بل كانت زهرية تظللها سحب خفيفة بيضاء بنصاعة مبهرة ,كل شئ هادئ ومثالي حتى تلك الكائنات التي تراقبني كانت ودودة رائعة , كانت تنساب على مسامعي كلمات قرانية تسكرني في تلك السماوات وتبث في عالمي هدوءا ورغبة في البقاء وعدم مغادرة المكان الممتع .
فتح شخص سماوي الباب ليخبرني بان وجودي قد انتهى وآن لي ان اعود الى الارض ,ارتسمت على وجهي اقواس من الالم الممض وتعرق جبيني ,قال بهدوء وبنبرة مضفوطة : انهم ينتظرونك على السرير في المستشفى ,عد اليهم , فان دورك لم يحن بعد, كان بودي ان اصرخ , وان ارفض , لاني ماعدت ارغب في العودة للارض الموبوءة بكل الاحزان والماسي والاضطهاد , حاولت ان اتكلم , ان اقول اي شئ , الا انه بادرني قائلا لايجوز ان تبقى هنا طالما ان رحلتك انتهت , لم يكد ينهي جملته الاخيرة الا وشعرت بجاذبية خفية تعود بي الى كياني الجسدي في المستشفى حيث كل اهلي واقاربي يتحلقون حول جسدي المتيبس الملتصق باجهزة التنفس واسلاك قياس النبض .
وميض من النور تسلل الى راسي ليمتد في الجسد الغارق في الموت ليعيد اليه رفيفا من الحركة ونبضا في الوجود , استبشر الاهل وطفق الاطباء والممرضون مسرورين بالحالة الجديدة , ووحده "انا" كنت حزينا مهضوما بعد ان فارقت ذلك العالم الذي تجولت في ارجائه واسمتعت بانواره واندمجت في عوالمه .
شفتاي الباردتان انفرجتا فيما انحبست الكلمات وهي تمتم في حالة من عدم الرضا , اشعر اني جردت من هويتي الاصيلة وعدت الى معتقلي الارضي , في زنزانة اسمها الجسد , لم اكن ادري ان الموت جميل الى هذا الحد , وان كل ماقيل عنه لم يكن سوى خرافات وارهاب فكري ,ومحاولة من اجل ابعادنا عن الله .
لاول مرة عرفت ان كياننا الجسدي ماهو الا عبأ على كاهل الروح التي تسارع للتخلص منه لتعود الى عالمها الحقيقي الذي تحلم بالعودة اليه بعد عملية النزوح الادمي من عالم الجنان بسبب خدعة شيطانية بصمت على ارواحنا هذا الثقل الجسدي لتشدنا الى العالم السفلي بعيدا عن عالمنا الحقيقي الذي ولدنا فيه امام الملائكة وبتكريم رحماني جليل اغاظ الشياطين واشعل نار الحقد في قلوبهم لينبذونا الى حفرة الدنيا والى عالم الارض الطيني , ومن هنا اختلفنا فمنا ارواح مجندة للخير ومنا اشرار من نفثات الشياطين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق