د.غالب القرالة
خصائص المذهب الواقعي ج3+4
ب- الواقعية الطبيعية:
وتسمى أيضاً بالمذهب الطبيعي وهي فرع للواقعية الأم تكون في نهاية القرن التاسع عشر على يد إيميل زولا ولم يجر تحديد هويته إلا في القرن العشرين.
وكان الناقد برونتيير (1909) يصنف زولا في زمرة الواقعيين مثل موباسان وفلوبير ودوديه.
وتتميز هذه المدرسة بالخصائص الآتية:
المبالغة في التزام الواقع الطبيعي إلى درجة الاهتمام بالأمور القبيحة والمقرفة والوضيعة والمكاشفة الجنسيّة والألفاظ البذيئة بدعوى أن ذلك من تصوير الواقع الحقيقي تصويراً علمياً أميناً لا مواربة فيه. فلا داعي لتحريمها أو الترفع عنها...
الإخلاص الكامل للعلم الطبيعي والفلسفة المادية والوضعية وتصور العالم من الوجهة العقلانية المادية فقط.
والنأي التام عن الغيبية والمثاليّة حتى لقد أضحى المذهب الطبيعي هو الدين الجديد وحل رجل العلم والتكنولوجي مكان القس ولم تكتف الطبيعية بذلك بل أخذت تهاجم الكنيسة والمنطلقات الدينية وتسخر منها ولا سيما فيما يخص الجنس والمكافأة الأخروية للفقراء...!
فالدين عندها معوق للتقدم والفقراء والعمال والفلاحون لادينيون والإله مات في زعمهم.
وقد أضاف زولا إلى هذا النهج المعطيات الفرويدية في التحليل النفسي كعقدة أوديب (عشق الولد أمهُ) وعقدة إليكترا (عشق البنت أباها) وكون الجنس المحرك الأساسي العميق للسلوك واكتشاف عالم الباطن اللاشعوري كما أضاف تأثير البيئة والوراثة في تكوين السلوك والطباع وضروب السلوك.
فبدت رواياته السليلة الشرعية للعمل التجريبي الذي تطور على يد تين وداروين وكومت وكلود برنار وفرويد...
عدم الحياد: فالموقف صريح واضح إلى جانب التقدم البورجوازي والديموقراطية ومحاربة الفساد والظلم والانهيار الأخلاقي...
النظرة إلى المجتمع في إطار الوحدة الكلية المتماسكة أي كالجسد الواحد يتضامن أعضاؤه جميعاً في مسؤوليتهم إصلاحاً وفساداً.
التفاؤل والأمل واليقين بانتصار العلم والحب وسيادة الحرية والديموقراطية والعدل والأخوّة والمساواة... ولاينفي هذا الاتجاه بعضُ الاستثناءات ففي الوقت الذي وجد فيه كتاب مسرحيون متفائلون مثل سكريب وساردو كان الكاتب المسرحي الطبيعي هنري بيكو . متشائماً لا مبالياً بالهدف الإصلاحي اكتفى بتصوير المجتمع كما هو بحثالته ومغفليه وشريريه بأسلوب لاذع (مسرحيتا الغربان والباريسية).
وقد ظهرت في هذا الاتجاه اللامبالي الكوميديا الطبيعية وما سمي بالمسرح الحر الذي كان لا يعبأ بأي نقد أو رقابة سوى حكم الجمهور وقد بالغ في التشاؤم وعرض المخازي واستخدام اللغة المكشوفة البذيئة والعامية حتى أصبح ممجوجاً وسرعان ما انسحب أمام المسرح الواقعي المتفائل.
ج- الواقعية الاشتراكية:
وتسمى أيضاً الواقعية الجديدة.
وقد نشأ هذا المذهب منذ البداية رداً على الرومانسية والواقعية الانتقادية المتشائمة والطبيعية السطحية ونما وانتشر مع اتساع الدراسات الاشتراكية والتطبيق الاشتراكي ولما كانت الاشتراكية نظرةً فلسفيةً واجتماعية تشمل كل فروع المعرفة والحياة فقد اهتمت بالأدب الواقعي ووجهته وجهةً خاصةً تناسبها ووجدت فيه خير مصور للواقع وباعث للوعي وحافز إلى التغيير باتجاه التقدُّم.
ومن هنا نشأت الواقعية الاشتراكية في الأدب وأصبحت مدرسةً عالمية لها منهجها العقائدي المتميز الذي تم من خلاله استخلاص مدرسة نقدية سميت بمدرسة الواقعية الاشتراكية. وقد تبلورت معالمها في الثلاثينيات من القرن العشرين.
وتتلخص سمات المدرسة الواقعية الاشتراكية في الأدب بالخصائص الآتية:
إنها تنطلق من الواقع المادي من خلال فهم عميق لبنية المجتمع والعوامل الفعالة فيه والصراعات التي ستفضي إلى التغيير. فالواقع هو الصادق الوحيد والقاعدة العلمية الموضوعيّة.
الأديب طليعة مجتمعه بما أوتي من مؤهلات فكرية وفنية ووعيٍ للعالم ومؤهلات قيادية تمكّنه من التأثير في الأفكار والعقائد والقناعات والسلوك فله إذن رسالة جوهرية إيجابية وهي الاتجاه مع المجتمع لبناء مستقبلٍ أفضل للجماهير العريضة.
ان الأدباء هم (مهندسو النفس البشرية) ولذلك لابد لهم من رؤية مستقبلية واضحة لما يجب أن يكون.
ينطلق الفهم العميق للمجتمع من التحليل الماركسي للصراع الطبقي والوصول إلى كنه التناقضات الجدلية في هذا الصراع الذي يقوم على التأثير والتأثر والناتج.
عدم الاكتفاء بالتصوير بل لابد من شفعه بالتحليل واستخلاص العوامل الفعالة في صياغة المستقبل التقدمي وهنا تبرز رسالة الكاتب وإعلاء شأن الإرادة الإنسانية ونضالها العنيد ضمن الإطار الجماعي الطبقي لصنع المصير وفق المنطق التاريخي.
وان الكاتب لا يبقى مشاهداً سلبياً بل يتدخل لتغليب الإيجابيات وتعزيز النضال.
الواقعية الاشتراكية متفائلة تؤمن بانتصار الإرادة الجماهيرية التي تتجه دوماً في طريق الحق والخير وتتمكن من إعادة بناء المجتمع الجديد.
تولي الواقعية الاشتراكية أهمية كبرى لرسم وإبراز النموذج البطولي في إطار التلاحم النضالي مع الجماهير والتصميم الإرادي والصلابة والوعي والتضحية بحيث يصبح نمطه مثالاً للمناضلين يحبونه ويقتدون به.
الواقعية الاشتراكية إنسانية وعالمية تؤمن بوحدة قضايا الشعوب ووحدة نضالها في سبيل التحرر الاجتماعي والسياسي ووحدة الخط التاريخي وتدين أشكال الاستعمار والاستغلال والفردية والتمييز العنصري والديني .
وترى أن القومية جسر إلى العالمية وترفض الاعتداء والتسلّط والحروب
لا تهمل المقومات الفنية كالمقدرة اللغوية والأسلوبية وبراعة التصوير الطبيعي والنفسي وحرارة العاطفة والمقومات الخاصة بكل جنس أدبي وهي تتجه إلى الجماهير في خطابها ولذلك تختار اللغة السهلة المتداولة. ولا تقيم وزناً لأدب يؤدي الأهداف دون حس مرهف وأداء فني. فالمضمون والشكل متضامنان لا ينفصل أحدهما عن الآخر.
رواد الأدب الواقعي:
بلزاك (1799م – 1850م)
ستندال (1783م- 1842م) من رواياته (الأحمر والأسود)
إيميل زولا (1840م – 1902م) له روايات كثيرة مثل: (غلطة الأب موريهو أوجين روغون ونانا...)
الاديب الروسي كسيم غوركي (1868م – 1936م).
أما الواقعية الحقيقية في أدبنا العربي فقد ظهرت عند الكاتب طه حسين في كتابه المهذبون في الأرض حيث عبر فيه عن رفضه لمظاهر الظلم و الفقر كما مثل الأديب توفيق الحكيم في روايته بعنوان يوميات نائب في الأرياف كما ظهرت الواقعية أيضا عند كثرين من الأدباء العرب منهم يوسف إدريس في روايته الحزم و عند الأديب عبد الرحمان السرقاوي في روايته الأرض و عند الأديب يحيى حقي في مجموعته القصصية هاء وطيف أما الواقعية في الأدب الجزائري فقد تجلت خاصة في الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية فقد ظهرت عند الأديب مولود فرعون في روايته Le fils des pauvre .