د.غالب القرالة
مملكة ارم ذات العماد : الواقعة مابين حضرموت وصنعاء
قصة ارم ذات العماد :
ارم هو في الاصل جد عاد وهو عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام سميت القبيلة باسم جدهم عاد وعاش الف سنة ومائتي ورزق من صلبه اربعة الاف ولد وتزوج الف امرأة ومات كافرا قوله (أي الطول ) هذا احد اقوال وقيل ان المراد به الابنية المرتفعة على العمد فيبنون عليها القصور وقيل (ذات العماد )ذات القوة والشدة قال تعالى ( من اشد منا قوة ) فصلت 15 وقيل غير ذلك قوله ( كان طول الطويل )الخ نحوه قول الكازروني : طول الطويل منهم خمسمائة ذراع والقصير ثلاثمائة ذراع بذراع نفسه ورد ذلك ابن العربي بقوله : هو باطل لان في الصحيح ان الله خلق آدم طوله ستون ذراعا في الهواء فلم يزل الخلق ينقصون الى الان وقال قتادة ان طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعا قوله ( التي لم يخلق مثلها في البلاد ) أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة وهم اللذين قالوا : من اشد منا قوة ؟
وقيل هي مدينة بناها شداد بن عاد وحاصل قصتها انه كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا بعده وقهر العباد والبلاد فمات شديد وخلص الملك لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها وكان يحب قراءة الكتب القديمة فسمع بذكر الجنة وصفتها ودعته نفسه الى بناء مثلها عتوا على الله وتجبرا
فروى وهب بن منبه عن عبدالله بن قلابة انه خرج في طلب ابل له شردت فبينما هو يسير في صحارى عدن اذ وقع على مدينة في تلك القلوات عليها حصن وحول الحصن قصور كثيرة فلما دنا منها ظن ان فيها احد يسأله عن ابله فلم ير خارجا ولا داخلا فنزل عن دابته وعقلها وسل سيفه ودخل من باب المدينة فاذا هو ببابين عظيمين وهما مرصعان بالياقوت الاحمر فلما رأى ذلك دهش ففتح الباب ودخل واذا هو بمدينة لم ير احد مثلها واذا فيها قصور في كل قصر فيها غرف وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واحجار كريمة اللؤلؤ والياقوت واذا ابواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة يقابل بعضها بعضا وهي مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران فلما عاين ذلك ولم ير احد هاله ذلك ثم نظر الى الازقة فاذا في تلك الازقة الاشجار المثمرة وتحت تلك الاشجار انهار يجري ماؤها في قنوات من فضة فقال الرجل في نفسه هذه الجنة وحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق مسكها وزعفرانها ورجع الى اليمن واظهر ما كان معه وحدث بما رأى . فبلغ ذلك معاوية فارسل اليه فقدم عليه فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى . فارسل معاوية الى كعب الاحبار فلما اتاه قال له :
يا ابا اسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة ؟
قال نعم هي ارم ذات العماد بناها شداد بن عاد .
قال : فحدثني حديثها
فقال : لما اراد شداد بن عاد عملها اقر عليها مائة قهرمان مع كل قهرمان الف من الاعوان وكتب الى ملوك الارض ان يمدوهم من الجوهر فخرجت القهارمة يسيرون في الارض ليجدو ارضا موافقه فوقفوا على صحراء نقية من التلال واذا فيها عيون ماء ومروج فقالوا هذه الارض التي امر الملك ان نبني فيها (وهي بين حضرموت وصنعاء ) فوضعوا اساسها من الجزع اليماني واقاموا بنائها ثلاثمائة سنة وكان عمر شداد تسعمائة سنة فلما توه وقد انهوا البنيان ولكنهم وجدوا البلاد خاوية لااحد بها .
ويقال انه كان له ولد يدعى مرتب وهو مؤمن عندما عاد الى بلاده لرؤية والده دخل المدينة وبهر عندما رأى المدينة المرصعة بالذهب والفضة والياقوت والزعفران ولفت انتباهه الى لوح ذهبي عظيم كتب عليه لسان حال شداد :
اعتبر يا ايها المغرور بالعمر المديد
انا شداد بن عاد صاحب الحصن المشيد
وملكت الشرق والغرب بسلطان شديد
فأتى هود وكنا في ضلال قبل هود
فدعانا لو قبلنا كان بالامر الرشيد
فعصيناه ونادى مالكم ؟ هل من محيد
فاتتنا صيحة تهوي من الافق البعيد
فتوافينا كزرع وسط بيداء حصيد
وفي تفسير سورة الفجر-- ورد ان قبيلة عاد هي قبيلةٌ عربيةٌ سكنت اليمن، في الأحقاف تحديداً، وهي منطقةٌ بين عُمان وحضرموت، قيل إنّهم كانوا ثلاث عشرة قريةً، طغوا، وبغوا في الأرض، وعاثوا فيها فساداً، وكان تجبّرهم ذاك بسبب قوّتهم العظيمة، وتمكينهم في الأرض الذي خصّهم الله -تعالى- به، فاغترّوا بها، ولقد زادهم الله -تعالى- كذلك في الخَلق بسطةً، فكان الواحد فيهم طوّالاً في جسمه وقوامه، حتّى قيل إنّ أقصرهم كان طوله ستين ذراعاً، ولم يكتفوا بالظلم والجور وحسب، بل عبدوا أوثاناً من دون الله تعالى، فقدّسوها، ورفعوا شأنها، وكان من بينها صنمٌ يدعى صمود، وصداء، والهباء، ولمّا كان هذا حالهم أرسل الله -تعالى- فيهم نبيّه هوداً عليه السّلام؛ ليرشدهم إلى توحيد الله تعالى، وعبادته، وترك ما دونه من أوثانٍ وأصنامٍ، والإحسان إلى الناس، وعدم التكبّر والغرور بالقوّة التي حباهم الله إيّاها، قال الله تعالى: (واذكر أخا عادٍ إذ أنذَرَ قومهُ بالأحقافِ وقدْ خَلتِ النُّذُرُ مِن بينِ يديهِ ومن خلفهِ ألا تعبُدوا إلا اللهَ إنِّي أخافُ عليكم عذابَ يومٍ عظيمٍ)، لكنّ قومه قابلوا دعوة نبيهم بالتكذيب والاستهزاء، حتى نزل فيهم عذاب الله تعالى. إهلاك قوم عاد كان قوم عادٍ مشهورين بقوّة أجسامهم، وعظَيم عمرانهم، حتى إنّها ذُكرت في القرآن الكريم بقول الله تعالى: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ)
وكان من غرورهم أنّهم زعموا أنّه لن يقدر عليهم أحدٌ، قائلين: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فكان ردّ الله -تعالى- عليهم من حيث لم يحتسبوا فأرسل عليهم الهواء ريحاً مسلّطاً، فأهلكهم فلم يستطيعوا الحراك، قال الله تعالى: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ*فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) وقد وصف الله -تعالى- الرّيح في آيةٍ أخرى أنّها ريحٌ صرصرٌ؛ أيّ شديدة البرودة، وقويّة جدّاً حين هبّت، فكانت هذه الرّيح تحمل أحدهم إلى السّماء، ثمّ تهوي به إلى الأرض فتكسر رأسه، ثمّ يدخل الهواء إلى جوفه، فصاروا كما وصف الله تعالى: (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ*فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) أي لم يبقَ منهم أحدٌ إلّا هلك بهذا، وهذا دليلٌ على قدرة الله تعالى، وإحاطته بالظالم، أن جعل عقوبتهم من جنس عملهم، فقد كانوا يرون أنّهم أعظم قوّة على وجه الأرض، تمنعهم قوّتهم من الله تعالى، فأراهم الله قدرته وقوّته بأبسط مخلوقاته وهو الهواء.
الخميس، 9 مايو 2019
مملكة إرم ذات العماد / بقلم د.غالب القرالة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق