قصة قصيرة
بقلم : مرشد سعيد الاحمد
فاقد البصيرة
تفاجأ علاوي وزملائِه عند عودتهم الى السكن الجامعي
بعد الإنتهاء من تقديم إمتحان مادة اللغة العربية لغير المختصين بوجود ضيف أعمى إسمه هديبان فاقد البصر يدرس في السنة الثالثة أدب عربي والمفاجئة الكبرى عندما ذكر أحد الزملاء ان الاسئلة بسيطة و سهلة وخاصة إعراب كلمة احمد في الجملة
" جاء صديقي احمد الى الكلية"
فسأله الزميل الاعمى هديبان قائلا: وماذا أعربت كلمة احمد فرد عليه أعربتُها
" فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على اخره "
فرد عليه هديبان قائلاً: إعرابك خطأ لإن احمد هو بدل من اسم الفاعل وتوسع في شرح هذه الفكرة
وبعد مغادرة الأعمى هديبان الى مكان اقامته في الوحدة السكنية المجاورة دارت احاديث ومناقشات
بين منْ تبقى من الزملاء فتحدث أحدهم قائلاً: الإصابة بفقدان البصر قد تكون بعد فترة زمنية من حياة الانسان الطبيعية نتيجة أسباب عرضية مثل الحادث المروري او مرض معين وهذا الانسان لديه اطلاع على كل شيء في هذه الحياة من طبيعة وبشر.
اما فاقد البصر منذ ولادته فانه لا يميز بين الأشياء ولا يتصورها في مخيلته وإنما يتعامل معها من خلال تنمية حاستي اللمس والسمع نتيجة الحاجة
واغلب هؤلاء يمتازون بذكاء حاد و بصيرة تمكنه من ان يعيش حياته بشكل طبيعي وقد برز منهم الاديب والشاعر والعازف والفني و......
وكما أعتقد انهم سيجدون صعوبة في الحياة اذا استعادوا بصرهم من حيث تقدير المسافات في المشي والتأقلم مع الوسط الاجتماعي المحيط بهم
فرد احد الحضور قائِلاً: كلامك صحيح ايها الزميل لان هذه الحادثة جرت في قريتِنا مع أحد فاقدي البصر واسمه عبدالله هذا الرجل الذي ولِد اعمى لكنه يمتاز بنفس الصفات التي ذكرتها بالاضافة الى عمله في الارض حيث يذهب في الصباح بمفرده يسقي مزروعاته ويهتم ببعض دواجنه و .......
وذات يوم ذهب اهله مع معظم اهل القرية لحضور حفلة زفاف في قرية مجاورة تاركين عبدالله لوحده في البيت وعند خروجه من البيت متوجها الى ارضه تعثر ووقع على الأرض وضرب رأسه بصخرة على حافة الطريق فاستعاد بصره واخذ يركض بخطوات متفاوتة بالطول هنا وهناك مذهولاً ومرعوباً من هول ماشاهده من مناظر لم يألفها في مخيلته. وبالصدفة التقى برجل اسمه عطية من ابناء القرية عائداً الى القرية ممتطياً دراجة نارية ذات العجلتين وبعد التعرف عليه طلب منه الركوب خلفه للذهاب الى الحفلة ليزف لأهلهِ بشرى باستعادة عبدالله لبصره.
ولكن لسوء حظ عبدالله لم تكتمل هذه الفرحة لتعرضه لحادث بسيط قبل وصول الحفل افقده بصره من جديد
ومنذ تلك اللحظة اصبحت صفات عطية عند عبدالله أداة للتعرف على أي شخص .
فعندما يلتقي مع اي شخص يقول له بالعامية
# انا أطول من عطية وصحتي مثل صحة عطية وبشرة وجهي اكثر سماراً من بشرة عطية و...... #
وبعد ضحكة خفيفة رد عليه علاوي قائلاً:
هذا الأعمى يشبه الكثير من ابناء بلدي تل المگاصيص عندما عيّنت الجهات المعنية فيها مسؤولاً جديداً اسمه خلف هذا الرجل الذي يتمتع بحس وطني وجدية بالعمل بحيث حول هذه البلدة من شبه قرية الى مدينة جميلة بعد تجديد البنية التحتية وتزفيت الشوارع وتنظيمها والاهتمام بمداخل المدينة الحضارية وزرعها بالاشجار وتنويرها بالرغم من كل العراقيل التي تعرض لها من قِبل ضعاف النفوس والمنافقين والمؤذيين له خلال المعلومات الكيدية التي يرسلونها للجهات العليا
وبعد انتهاء خدمته أصبح خلف وصفاته أداة للمقارنة بينه وبين أي مسؤول جاء بعده.
ولكن لسوء الحظ لم تتوفق هذه البلدة بأي مسؤول قريب من صفاته بسبب كثرة المنافقين والكذابين من حوله فينحرف هذا المسؤول ويتحول الى تاجر ومقاول و......
ولا يقدم البلد أي خدمة سوى خدمة مصالحه الشخصية
فرد عليه أحدهم قائلاً: يا زميل انت مخطيء فيما تقول لان سلوك الوسط الاجتماعي المحيط بالرجل لا يغير صفات الرجل واخلاقه وانما يُظهِره على حقيقته ويكشف معدنه الاصيل او المزيف.
انتهت
بقلم : مرشد سعيد الاحمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق