الأربعاء، 29 يوليو 2020

"العيب" خط الدفاع الأول عن الوقوع بالحرام والمعاصي والسيئات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 18-تموز - 2020
العَيْبُ لغة: الوصمة، والنقيصة، والشائبة، والمذمة، وجمعها أعياب وعيوب.
اجتماعيا: هو التصرف غير الملائم، والمنظور له كتصرف سيء ضمن المجتمع.
لكن معنى العيب الحالي المنتشر بيننا توسع وأخذ أبعادا ذات دلالات اجتماعية وأخلاقية، وأيضا دلالات ذات علاقة بالشرف والكرامة، وأصبح ثقافة معيقة ومعطلة، وتؤثر في المناحي الحياتية للفرد
في أحد الأيام كنت جالس  مع مجموعة من الأخوة، وكان  إحداهم يتحدث عن خوفه  وتردده  في أداء أو إنجاز شيء ما، وأنه  دائما يتوقع الفشل، فأخبرتاه عن معلومة قرأتها تساعد في إزالة ذلك التردد، وهي: أنك إذا أردت فعل شيء فانظر فيه: هل هو حرام؟ أم لا، وهل هو عيب؟ أم لا، فإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك فامض مستعينا بالله في فعل ذلك الأمر.
فرد  إحدهم موجه  الكلام لي حيث قا : حتى موضوع العيب أراه عائقا؛ فما يراه الناس عيبا قد لا يكون حراما شرعا، حتى أن هناك من ينزل العيب منزلة أكبر من الحرام نفسه، فقصة الصحابي عمرو بن العاص حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الناس أحب إليك، فقال بأبي هو وأمي : عائشة.. إلى آخر الحديث، بربك من يذكر اسم زوجته الآن؟؟ ولكنها أغلال قيدنا أنفسنا بها حتى لا نغرد خارج السرب.
في الحقيقة أنه ولأول مرة ألتفت لهذا الأمر، فعلا، فبعض المجتمعات تتمسك بالعيب حتى أكثر من الحرام نفسه، فتجدها تخلق قيودا ليس لها أصل في الدين، مما يجعلها عائقا من عوائق النهوض والتطور، والشعوب تختلف في نظرتها للعيب، بل إن المجتمع الواحد ترى فيه أسرا تفعل أمرا، بينما الأخرى تستهجنه
لقد تداول الناس سابقا كلمة عيب، ولكن ليس كلهم استعملها بحق، ففيهم من استعملها وهو يريد الظلم والاهانة والمصلحة الشخصية، فكتموا الافواه، وقمعوا الحق تحت شعار كلمة عيب ، فضاعت حقوق الاطفال وخاصة البنات منهم
أَمرُنا عجيب ! فنحن نستخدم كلمة (العيب) على نطاق واسع، ونتداولها بكثافة، ونعطي لوقعها أهمية عظيمة، فكم أحجمنا عن فعل أو أتينا آخر، وكم بذلنا من جهد ووقت ومال، وكم ضحينا بأمور، أو سكتنا على أحوال، لمجرد تجنب هذا الشيء المدعو (عيباً) . لكننا في المقابل، لا نكاد نجد للفظ (العيب) هذا تعريفاً أو معنىً محدداً، أو مفهوماً واضحاً، أو دلالة قاطعة. إننا نستخدم هذا اللفظ مثلاً في توجيهنا لأبنائنا الصغار، كأنه عصا نؤشر لهم بها لكي ينتهوا عن قول أو فعل، فيكفي أن ننهرهم إذا أتوا سلوكاً لا يواتينا بأن نقول لهم: هذا (عيب)، ولو أن أحد هؤلاء الأبناء الصغار تجرّأ فسألنا : لكن ما هو العيب ؟ ربما وقفنا مشدوهين، وحِرْنا مليّاً في الإجابة 
حتى أن التعريف الشعبي لكلمة العيب، من خلال الأمثال الشائعة والمتوارثة، مبهم، يُعرّفُ الماء بعد الجهد بالماء، فهو يقول لك: (ما عيبْ إلا العيبْ ..!) دون أن يُخبركَ ما هو هذا العيب الذي ليس ثمة سواه أو بعده أو قبله عيب، بحيث يتركُكَ دون أن تفهم معنى العيب في اللفظ الأول ولا معناه في اللفظ الثاني. وإذا رجعت إلى قواميس اللغة العربية وجدت تعريفها لا يزيد في مستواه (العلمي) عن ذلك التعريف الشعبي، فهي تقول (عاب الشيء : جعله ذا عيب، فهو عائب، والمفعول معيب ..!) دون أن تفقه منها معنى عاب ولا عائب ولا معيب ! أما المعاجم المتخصصة في الفلسفة أو علم الاجتماع - وضمن ما أتيح لي الاطلاع عليه - فلم أجد فيها إشارة لهذا اللفظ ذي الدلالة المهمة المؤثرة، والمبهمة الغامضة، في آن واحد معاً
ومما يدلّ على أن مفهوم (العيب) غير واضح وغير محدد رغم سعة انتشاره وشدة تأثيره، أننا كثيراً ما نشير إلى وقائع أو حالات نؤكد عدم خضوعها لذلك المفهوم، على نحو يومىء إلى أنها أُدرِجَتْ في نطاق مفهوم العيب دون أن تكون منه، نتيجة عدم وضوح دلالة اللفظ أصلاً . ومن ذلك ما كان يكرره أهلونا في البيت ومعلمونا في المدرسة، حين يقولون لنا: (الفقر مِشْ عيب) وهم محقون في ذلك، وإن كانوا بهذا القول إنما يواسوننا ويواسون أنفسهم، ويشيرون دون قصد إلى أن مفهوم العيب مختلط في أذهان الناس. ومن ذلك أيضاً حين يحاول البعض أن يُبرر فعلاً لامَهُ الناس عليه، أو أنّبه عليه جزء خفي من لا شعوره، كأن يتزوج ثلاثاً غير زوجته الأولى، فيقول (الزواج لا عيب ولا حرام) معلناً بذلك أن ثمة مقياسان لا ثالث لهما لتقييم كل شيء، وهما العيب والحرام، وأن فعله لا يقع في نطاقهما وإن اختلط الأمر على اللائمين.
إن اعتماد ثقافة المجتمع على توارث الأفكار، وتناقلها، وتقبل الجاهز منها دون نقاش، إضافة إلى ضحالة الفكر، وتدني مستوى الاهتمام بالعلوم والدراسات الإنسانية، وإتباع أنماط التفكير المغلوط التي تقود إلى العمومية والضبابية وعدم التحديد، كل ذلك يترك المصطلحات والمفاهيم والتعبيرات والألفاظ سائبة ومائعة ومتداخلة، فلا إطار يَضمُّها، ولا عناصر تجمعها، ولا خصائص تميّزها. بحيث تجعلك لا تعرف ما يدخل فيها ولا ما يخرج عنها. وهذا ما ينطبق على المعنى المحيّر لكلمة (العيب) تلك
"عيب"  كانت قائدة ورائدة في زمن الابآء والأجداد،
حَكَمتْ العلاقات بالذوق، وضعَتْ حجر الأساس لأصول التربية السليمة ... 
تحياتي لتلك الكلمة التي عرفناها من أفواه الأمهات والابآء ...
تقَبّلناها بحُبٍّ، وتعلّمنا أنها ما قيلت إلا لتعديل سلوكنا، فاعتبرناها مدرسة مُختزلَة في أحرُف. تحياتي لأكاديمية ( *عيب*) التي خرّجت زوجات صابرات، صنَعنَ مجتمعات الذوق والإحترام وتخرَّج منها رجال بمعنى الكلمة كانوا قادة في الشهامة والرجولة ،
أبجديات "عيب" جامعةٌ بحدّ ذاتها ، وحروفها المجَّانيّة بألف دورة مدفوعة التكاليف!.
بحروفك يا كلمة "عيب"قدَّر الصغير الكبير، وأحترم َالجارُ جاره، وتداولنا صِلة الأرحام بمحبة وشوق.
كان الأبُ يقف ويقول: "عيب" عمك/ خالك/ جارك، سَلِّم ، سامِح.
كان يُقال للبنت: "عيب" لا ترفعي صوتكِ ، لا تلبسي كذا، فتربَّت البنات على الحِشمة والسِتر والأدب .
وتربّى الشبابُ على غضّ البَصر ، عيب لا تنظُر للنسآء . لا ترفع صوتك بوَجه أستاذك ، لا تهزأ مِن المُسِّن .
وتربّى الصغار على
"عيب" لا تنقلوا سِرَّ الجارِ والدار ، لا تسأل صديقك عن خصوصية حياتهم في بيتهم.
"عيب" كانت منبراً وخطبةً يرددها الأهالي بثقافتهم البسيطة ، لم يكونوا خطبآء ولا دعاة أو مُفتين ، وإنما هي كلمتهم لإحياء فضيلة وذَمّ رذيلة.
كلمة "عيب" ثُرنا عليها ذات يومٍ عندما قُلنا عَلَّمُونا العيبَ قبلَ "الحرام"، وتمرّدنا عليها ظنّاً مِنا أننا سنُعلّم الجيل بطريقةٍ أفضل!! فأخْذنا الحرامَ سيفاً بدون "عيب"، فنشأ جيلٌ جديد لم نفلح في غرس كلمة " *عيب* " ولا شقيقتها الكبرى
" *حرام* " في التفاهم مع سلوكياته أو مع التطوير والتزوير المستمر في العصر والمفاهيم والقيَم حتى ماتت كلمة 
"عيب" وأنتهت من قاموس التربية .تحياتي مِن القلب للمرحومة كلمة "عيب""ولكل الأجداد والابآء الذين استطاعوا أن يجدوا كلمة واحدة يبنوا بها أجيالاً تعرف الأدب والتقدير والاحترام، في الوقت الذي أخفَقَتْ محاولاتنا بكل أبجديات التربية المتطورة
المصادر
1- لسان العرب 
2- عدة مقالات منشورة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق