بقلمي: لطيفة زعري.
15-6-2020
عروس في زمن كورون
الفرحة بجناحين ترفرف على البيت،جميع الترتيبات على أحسن ما يرام ، فالمناسبة ليست بالأمر الهين وكما نقول بالعامية زواج ليلة تدبير عام خاصة وأن الايام التي سيقام اثناءها هذا الحفل تعرف اضطرابا في جميع انحاء المعمور، بسبب فيروس خطير يهدد البشرية جمعاء، فلا لقاح له لحد الآن. آثار التوتر بادية على العروس فهي صاحبة الشأن، ومن مدة طويلة وهي تنتظر هذا اليوم مثل غيرها من الفتيات، فهو حلم كل واحدة تأخر عليها قطار الزواج، وألسنة الناس لا ترحم من قريب أو من بعيد.
ربتت الأم على ابنتها مطمئنة لها ان كل الأمور ستمر على خير وبخير، وما عليها إلا أن تدعو الله وتردد الدعاء الذي لا يفارق ألسنتنا عندما يدعونا أحد لحفل زفاف فنرد عليه في الحال" الله يكمل بالخير"...مر يوم العرس كلمح البصر. فرحت فاطمة الزهراء في هذا اليوم فرحة لا تقدر بثمن، وقد كانت تتغاضى عن بعض التصرفات من قبل بعض افراد الاسرة ، فهمها الوحيد أن ينتهي هذا اليوم دون ان يقوم أي خصام بين العائلتين، كما يحصل عادة في أغلبية العائلات. ارتدت العروس الفستان الأبيض، حلم كل فتاة، وركبت السيارة التي تم تنميقها بعناية خاصة، حسب طلبات العريس وتوجيهاته...
اصبحت فاطمة الزهراء في بيت زوجها الآن، الحمد لله كل الأمور تبشر بالخير، وهما يستعدان للسفر من أجل قضاء شهر العسل بإحدى المدن الساحلية، لكن المفاجأة كانت غير متوقعة، فقد تم فرض الحجر الصحي على جميع المدن فلا يمكن التنقل ، حتى داخل المدينة نفسها إلا للضرورة...
جلست فاطمة الزهراء وهي تردد " أنا كنعرف زهري دائما عوج"
توالت أيام الحجر عليها وهي تحاول ان تتأقلم معه، وفي صبيحة يوم أحس محمد زوجها ببعض العياء، وارتفاع في درجة حرارة جسمه، لم تكن لتتأخر عن نقله إلى المستشفى، هناك أخذوا عينات منهما معا على ان يعودا في اليوم الموالي لأخذ النتائج... أخذ محمد حبة مسكن وأخلدا للنوم، ومع منتصف الليل سمع طرق على الباب. انتفضت فاطمة الزهراء من مكانها فسرت في جسمها قشعريرة وهي تتجه نحو الباب، لقد كانت المفاجاة الثانية لها بعد حفل زفافها، وكأن القدر يعاتبها على أشياء لم تقترفها...
لقد أخذوا محمدا إلى المستشفى لأنه أصيب بهذا الفيروس اللعين، الذي حرمها من أن تعيش أجمل اللحظات وهي تتمتع بشهر العسل..والأكثر من ذلك فهو مصاب بداء السل...يا للكارثة!!! أمضى محمد أياما في المستشفى كانت بالنسبة لفاطمة الزهراء دهرا، تحاول زيارته كل يوم لكن دون جدوى...وهكذا انتظرت على احر من الجمر خروج محمد من هذه المحنة، وفي كل يوم تصلي صلاة الفجر وترفع يديها للسماء من أجل ان يخرج محمد منتصرا من هذه المعركة غير المتكافئة، فالوباء والسل يعني النهاية بالنسبة لها...رن جرس الهاتف في أحد الأيام، بعد أن فقدت الأمل وبدأت تهيئ نفسها لما سيحدث لزوجها، لتتفاجأ هذه المرة بخبر سار، وكأن القدر يعلن صلحه معها... فرحت كثيرا، وأخيرا عاش محمد ومات الفيروس والسل. هيأت البيت ورتبته وأعدت ما لذ وطاب من الأكلات التي يحبها محمد ويفضلها، واتجهت نحو المستشفى حتى تستقبل زوجها وهو يخرج منتصرا...أرادت فاطمة الزهراء ان تستقل سيارة أجرة التي كانت في الجانب الآخر من الطريق، أسرعت الخطو دون أن تنتبه للشاحنة القادمة عن يسارها. حاولت إنقاذ نفسها لكن فات الأوان... بركة دم قرب رأسها، ابتسامة تعلو محياها، عيناها تنظران إلى السماء، وكأنها لا تريد إغماضهما وتتشبت بهذه الحياة...عند باب المستشفى التقى محمد سيارة الاسعاف وهي تنقل جثة مغطاة، سأل سائقها فأجابها إنها امرأة صدمتها شاحنة. طلب لها المغفرة والرحمة، وحمد الله على سلامته، وردد بصوت شبه مسموع : الأعمار بيد الله، الأعمار بيد الله...
 
 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق