الاثنين، 23 سبتمبر 2019

سرية سيف البحر / بقلم د.صالح العطوان الحيالي

سرية سيف البحر
ـــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 11-9-2019
أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مُهَاجَرِه، وكان لواءً أبيض، وكان حامله أبو مَرْثَد كَنَّاز بن الحُصين الغَنَويّ حليف حمزة، وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين خاصة، يعترض عيرًا لقريش جاءت من الشام، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل.لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وأيده الله بنصره، بعباده المؤمنين الأنصار، وألّف بين قلوبهم بعد العداوة  التي كانت بينهم، فمنعته أنصارُ الله وكتيبةُ الإسلام من الأسود والأحمر، وبذلوا نفوسهم دونه وقدموا محبته على محبة الآباء والأبناء والأزواج، وكان أولى بهم من أنفسهم، رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة، وصاحوا لهم من كل جانب، والله سبحانه يأمرهم بالصبر والعفو والصفح حتى قويت الشوكة، واشتد الجناح، فأذن لهم حينئذ في القتال، ولم يفرضه عليهم فقال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:39]
خرج المسلمون من ديارهم وأموالهم وأراضيهم في مكة، وهاجروا إلى المدينة المنورة، وتبعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه أبي بكر الصديق، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناء مجتمع جديد يقوم على الأخوة في الدين، فآخى بين المهاجرين والأنصار، ووضع أول وثيقة للتحالف الإسلامي بين المؤمنين، أزاح بها كل ما كان موجودًا قديمًا من نعرات الجاهلية وعصبيات العرب القديمة.
ولم يكتف رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ فقام بتنظيم العلاقات بين المسلمين بالمدينة وغير المسلمين بها، وكان أقرب من يجاور المسلمين بالمدينة بنو يهود، فعقد معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاهدة ترك لهم مطلق الحرية في الدين والمال، والنصرة من الجانبين على من حارب أي من طرفي المعاهدة، وأعطاهم رسول الله عهده وميثاقه على ذلك.
ولكن قريش لم تكن لتسكت على تلك الدولة الوليدة التي أنشأها المسلمون في المدينة، ولم تكن لتمتنع عن عدوانها واستفزازها وتخويفها للمسلمين، بل كانوا يرسلون الرسائل إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم لن يتركونهم يهنأوا بتلك الدولة وأنهم سيستأصلون شأفتهم عن قريب، وإن بعد العهد!
ذكرت كتب السيرة أن قريشًا بعثت إلى عبدالله بن أبي بن سلول، بصفته كان من ؤروس المدينة وسادتها قبل الإسلام تقول له: "إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم".
فكان لابد من رد على تلك الاستفزازات المتوصلة لقريش، والتهديدات التي كانت تزعزع أركان المسلمين بالمدينة؛ وذلك لإشعار مشركي قريش بانتهاء مرحلة الاستضعاف وبداية عهد جديد من عزة الإسلام، وهنا نزل الإذن الإلهي بالقتال، قال تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39]
أنَّ غزوات النبي صلى الله عليه وسلم والسرايا ضد المشركين لم تكن لحبهم سفك الدماء، أو لأن دين الإسلام دين قتل ودمار، كما يقول أعداء هذا الدين الحنيف من اليهود والنصارى والملحدين إنما كانت لهذه الغزوات أسبابها المعلومة لدى الجميع بما فيهم هؤلاء المفترين، ولكنهم جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلواً.
وأهم هذه الأسباب:
1- منْعُ المشركين المسلمين من نشر دين الله الحق، فإن نشر دين الإسلام وإخراج الناس من عبادة العباد والأصنام إلى عبادة رب الأنام، كانت مهمة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام التي ابتعثهم الله من أجلها، ولكنَّ المشركين لم يُخلُّوا بينهم وبين الدعوة، إنما حاربوهم وآذوهم، ولو تركوهم ما قاتلوهم.
2- الظلم الذي وقع على المسلمين من المشركين من هدم بيوتهم وأخذ أموالهم وإخراجهم من ديارهم ونحو ذلك.
ولقد رأينا بأعيننا ماذا صنعت أمريكا لهدم مبنىً واحد من مبانيها، لقد ثارت ثورة عارمة وأقامت الدنيا ولم تقعدها من أجل ذلك المبنى وأصبحت كالثور الهائج الذي يضرب يمينًا وشمالاً بلا وعيٍ، بل لك أن تعلم بأن مجموع من قتلتهم أمريكا من المسلمين بسبب هذا المبنى فقط يفوق أضعاف أضعاف من قُتلوا في جميع الحروب التي لاقى فيها النبي صلى الله عليه وسلم المشركين! إذن فمن الذي يستحق أن يُمنح لقب مصاصي الدماء أنحن أم هم؟! لا شك أنهم يُمنحونه عن جدارةٍ واستحقاقٍ.
3- الاستفزازات التي مارسها المشركون ضد المسلمين، فقد منعوا ضعفاءهم من الهجرة وحاولوا تقليب أهل المدينة على المسلمين وغير ذلك.
سرية سيف البحر:
وكان أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مُهَاجَرِه، وكان لواءً أبيض، وكان حامله أبو مَرْثَد كَنَّاز بن الحُصين الغَنَويّ حليف حمزة، وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين خاصة، يعترض عيرًا لقريش جاءت من الشام، وفيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل.
فبلغوا سيف البحر (سيف البحر: ساحله) من ناحية العِيص (قال أبو ذر: العيص هنا موضع، وأصل العيص منبت الشجر، وهو الأصل أيضًا..، وقال ياقوت عن ابن إسحاق: العيص: من ناحية ذي المروة علىٰ ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون منها إلىٰ الشام.. نقلاً من كلام الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد علىٰ هامش "سيرة ابن هشام"). فالتقوا واصطَفُّوا للقتال، فمشى مجديُّ بن عمرو الجهني، وكان حليفًا للفريقين جميعًا، بين هؤلاء وهؤلاء حتى حَجَزَ بينهم ولم يقتتلوا (زاد المعاد [3/146، 147])

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق